المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
أقلام باكستانيةمقال رأيمقالات

صفقة ترمب ومنير: اتفاق تجاري أم تموضع أمريكي على حدود إيران؟

كتبه: عبدالغني أنجم – (رئيس مركز إندس للدراسات الباكستانية)-

في تطور مثير يحمل في طياته أبعاداً تتجاوز الاقتصاد بكثير، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن توصله إلى اتفاق تجاري مع الحكومة الباكستانية، يركز على الاستثمار في مجال النفط داخل الأراضي الباكستانية. وفي ظل هذا الإعلان، يُطرح تساؤل جوهري: هل نحن أمام صفقة اقتصادية بحتة، أم أن هناك أبعاداً استراتيجية تتعلق بإعادة تموضع أمريكي على حدود إيران الشرقية؟ترمب، الذي لطالما سعى وراء الصفقات ذات الطابع المالي المباشر، بدا وكأنه تلقى من باكستان “جائزة ثانية” بعد أن كانت إسلام آباد قد أعلنت عن ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام قبل أشهر. غير أن الجائزة هذه المرة ليست معنوية أو رمزية، بل تتعلق بما وصفه البعض بـ”الكاش اليدوي” الذي يطمح إليه ترمب دوماً.

تحولات لافتة في العلاقات:

العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد شهدت في الآونة الأخيرة تحوّلاً دراماتيكياً، خاصة بعد تدخل ترمب المباشر في الوساطة بين الهند وباكستان في أوج التوتر بين الجارتين النوويتين. اللافت في الأمر أن إعلان الهدنة جاء من منصة ترمب وليس من أي منصة باكستانية أو هندية، في مؤشر على التغيير في موازين التأثير الدبلوماسي في جنوب آسيا.ومنذ تلك اللحظة، دخلت العلاقات الثنائية بين البلدين مرحلة جديدة تتسم بالتقارب والحوار المباشر، خاصة في القضايا الأمنية والاقتصادية. وقد بدا ذلك جلياً خلال الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حين قامت إدارة ترمب باستضافة قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير في البيت الأبيض، في خطوة قرأها مراقبون على أنها رسالة سياسية واضحة لطهران.

باكستان بين واشنطن وطهران:

الرسالة التي سعت واشنطن لإيصالها لإيران كانت أن “جارك المسلم ليس بالضرورة حليفك”. وقد ردت طهران من جانبها بمحاولة احتواء الموقف دبلوماسياً، حيث أصدر البرلمان الإيراني قراراً يشيد بما وصفه “موقف باكستان المساند لإيران”، في حين نفت إسلام آباد أي دور عسكري لها في النزاع، مؤكدة التزامها بالحياد. وفي ظل هذا الغموض، بدا ترمب يحاول اللعب على الحبلين: الضغط على الهند عبر بوابة العلاقة مع باكستان، وتوجيه رسائل استراتيجية لطهران عبر توثيق التعاون الاقتصادي والأمني مع إسلام آباد. اللافت أن ترمب لم يتبنَ أي لهجة تصعيدية أو تهديدية تجاه باكستان بشأن الضرائب الجمركية، على عكس ما اعتاد عليه في التعامل مع معظم شركائه التجاريين، وهو ما يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية من هذا الاتفاق.

النفط في باكستان: حقيقة أم ذريعة؟

أثار إعلان ترمب عن اتفاق نفطي مع باكستان علامات استفهام عديدة. فهل تمتلك باكستان فعلاً احتياطيات نفطية ضخمة تبرر هذا الاهتمام الأمريكي المفاجئ؟ الواقع الجيولوجي والاقتصادي يقول إن باكستان ليست دولة نفطية بامتياز، بل تفتقر إلى الحقول المعروفة التي يمكن أن تستقطب استثمارات عملاقة في هذا المجال.ومع ذلك، تشير الأنظار إلى إقليم بلوشستان الواقع على الحدود الإيرانية، والذي يشتهر بثرواته الطبيعية من معادن ونفط وغاز. ويبدو أن واشنطن وإسلام آباد تضعان هذا الإقليم في صلب خططهما الاستثمارية الجديدة، رغم التحديات الأمنية الكبيرة التي يشهدها.

بلوشستان: بوابة الاستثمار أم ساحة الصراع؟

بلوشستان، رغم كونها إقليماً باكستانياً رسمياً، تعاني من اضطرابات مزمنة بفعل النشاطات المسلحة لتنظيمات انفصالية كـ”جيش تحرير بلوشستان” و”جيش العدل”، إضافة إلى رفض شعبي واسع للحكم المركزي في إسلام آباد. وقد شكل هذا التوتر عائقاً حقيقياً أمام أي استثمار أجنبي أو مشروع تنموي مستقر في المنطقة.وإذا صحت التكهنات بأن المشروع النفطي الأمريكي سيتركز في هذه المنطقة الحساسة، فإن التحديات الأمنية ستتضاعف، وسيتطلب تنفيذ هذا الاتفاق تعاوناً عسكرياً واستخباراتياً واسعاً بين واشنطن وإسلام آباد، بهدف القضاء على الجماعات المتمردة وضمان أمن المشاريع.

التداعيات الإقليمية المحتملة:

أي حملة عسكرية ضد المتمردين البلوش من المرجح أن تؤدي إلى نزوح هذه الجماعات نحو الأراضي الإيرانية، حيث كانت طهران في السابق ملاذاً نسبياً لبعض هذه التنظيمات. وهذا بدوره قد يدفع باكستان، وربما بدعم أمريكي، إلى تنفيذ ضربات انتقامية على الأراضي الإيرانية بذريعة “الدفاع عن المصالح الاقتصادية” أو “ملاحقة الإرهابيين”.وإذا ما تطور الوضع بهذا الاتجاه، فإن إقليم بلوشستان قد يتحول فعلياً إلى نقطة ارتكاز عسكرية أمريكية متقدمة، قابلة لاستخدامها في أي مواجهة محتملة مع طهران، ما يجعل الاتفاق النفطي المعلن أقرب إلى تموضع جيوسياسي منه إلى شراكة اقتصادية بحتة.

في الختام أرى أن صفقة ترمب ومنير تبدو على السطح اتفاقاً تجارياً طموحاً بين دولتين حليفتين، لكنها في العمق تحمل بين طياتها أبعاداً استراتيجية حساسة قد تعيد رسم خريطة النفوذ في جنوب غرب آسيا. أنا لست مع طهران ولا مع واشنطن، نحن أمام قراءة اسششرافية للمستقبل لفهم التداعيات وتقريب النتائج. ولذلك نطرح هذا السؤال من الآن: هل ستبقى هذه الشراكة في إطارها الاقتصادي، أم أنها ستتحول إلى بوابة تمركز عسكري أمريكي جديد على حدود إيران، من بوابة الاستثمار والنفط والأمن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى