
كتبه/ د. عبدالغني أنجم (رئيس مركز إندس للدراسات الباكستانية)-
تعَد العلاقات السعودية–الباكستانية من أوثق العلاقات الثنائية على مستوى العالم، إذ لم تُبنَ على المصالح المؤقتة فقط، بل تجاوزت ذلك لتتجذّر في العقيدة والفكر والثقافة والتاريخ وروابط الأخوّة الإسلامية. ولعلّ ما يميز هذه العلاقة أنها تتطور وتتقدّم يوماً بعد يوم في جميع المجالات، بما يجعلها نموذجاً فريداً للشراكات الاستراتيجية في العالم الإسلامي.لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط مؤخراً تطورات أمنية خطيرة، في مقدمتها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأبرياء في فلسطين. ولم تتوقف هذه التهديدات عند حدود فلسطين، بل امتدت آثارها إلى الدول المجاورة، وخاصة في منطقة الخليج العربي. وما قامت به تل أبيب مؤخراً باستهداف الأراضي القطرية يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة. فإذا استمرّت إسرائيل في استهداف الدول العربية، فإن المنطقة لا محالة ستدخل في دوامة فوضى تهدد الأمن الجماعي برمّته، مع احتمالية اندلاع مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل مجددا في المستقبل القريب.ولعلّ ما ارتكبه مجرم الحرب نتنياهو من استهداف للأحياء السكنية في الدوحة، تحت ذريعة وجود قيادات للمقاومة الفلسطينية هناك، قد أجبر القوى الإقليمية على إعادة النظر في موازين القوة وخريطة الدفاعات الإقليمية. وفي هذا السياق، برزت المملكة العربية السعودية برؤيتها الاستباقية واستراتيجيتها الحكيمة ، عبر توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك مع باكستان، كخطوة نوعية لحماية أمن الخليج العربي وتعزيز توازن الردع في المنطقة.هذه الاتفاقية التاريخية لا تمثل ضماناً أمنياً للمملكة وحدها، بل تُعدّ بمثابة “قبة حديدية” لجميع دول مجلس التعاون الخليجي. إذ من المستحيل أن تتعرض السعودية لهجوم دون أن تتأثر بقية دول الخليج، كما أنّ المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرض جيرانها الخليجيون لأي تهديد أو اعتداء. من هنا، يمكن القول إن الاتفاقية الدفاعية بين الرياض وإسلام آباد هي في جوهرها اتفاقية خليجية–باكستانية بامتياز.الأمر الأهم أن هذه الاتفاقية ليست مجرد توقيع على أوراق أو تبادل ملفات دبلوماسية، بل خطوة عملية ستترجم على أرض الواقع قريباً من خلال تعزيز الوجود الأمني والعسكري الباكستاني في الخليج، ولا سيما في الرياض عاصمة القرار العربي. وهذا التواجد سيعزز من استقرار الشرق الأوسط ويشكّل قوة ردع إضافية ضد أي تهديدات خارجية. ومن غير المستبعد أن تُقدم دول خليجية أخرى على توقيع اتفاقيات مماثلة مع باكستان، استلهاماً من المبادرة السعودية الرائدة.ولا نزعم أن باكستان هي القوة الوحيدة القادرة على حماية الخليج؛ فهناك قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا لديها شراكات دفاعية مع دول المنطقة. غير أن ما يميز الشراكة الدفاعية مع باكستان هو طابعها الإسلامي المشترك، وتجذّر الروابط الدينية والثقافية بين شعوب الخليج والشعب الباكستاني، وهو ما يضفي على هذه الاتفاقية طابعاً من الثقة والارتياح.يضاف إلى ذلك أن باكستان ليست مجرد دولة إسلامية، بل الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي، فضلاً عن علاقاتها القوية والمتوازنة مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية. كل هذه المقومات تجعل من الاتفاق الاستراتيجي السعودي–الباكستاني خطوة بالغة الأهمية نحو ترسيخ الأمن الجماعي للخليج وتعزيز مكانة السعودية كقوة إقليمية قادرة على إدارة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة.إن قراءة هذه الاتفاقية بتمعّن تكشف عن حكمة القيادة السعودية في التعامل مع تحديات الحاضر واستشراف مستقبل المنطقة، حيث لا يكفي الاعتماد على الضمانات الدولية وحدها، بل يصبح من الضروري بناء تحالفات إسلامية صلبة، تعكس روح الأخوّة وتترجمها إلى قوة استراتيجية تحمي المنطقة وتضمن أمنها وسيادتها.




