
كتبه/ د. عبدالرحمن بحر (المستشار الإعلامي بمركز إندس للدراسات الباكستانية) –
تعد سياسة باكستان الخارجية فيما يتعلق بالشؤون العربية الأمنية خط الدفاع الأول، والملاذ الآمن الذي بات عصيًا على المماحكات الدولية التي تريد أن تنال من أمن الدول العربية (جمعاء!). وليس أدلّ على ذلك من المؤآزرة والمناصرة التي أبدتها باكستان تجاه الغارات الغاشمة التي شنتها دولة الاحتلال على العاصمة الدوحة، والتي تتصدر العواصم العالمية في التوسط بين الدول لحل نزاعاتها غير آبهة، لما يترتب على ذلك الحنكة السياسية من تكاليف سياسية أو اقتصادية أو أمنية.
هذا الامتياز السياسي (domain) الذي عُرفت به دولة قطر لم يعفها من تبعة النكران الإسرائيلي الغاشم من أن تستهدف أمنها على مسمع ومرآى من المجتمع الدولي الذي لم يستطع أن يلجم سلطة الاحتلال بيد أن القيادة القطرية كانت تفتح أبوابها مشرعة لوفود التفاوض من أجل إيجاد صيغة مُثلى تنصف بها الفلسطينيين المعتدى عليهم في أرضهم وعرضهم.
اتساقًا مع سياق المؤآزرة الدفاعية والسياسية المستحقة للوقوف مع دولة قطر حكومة وشعبا،أدانت الحكومة الباكستانية على لسان مجلس الوزراء الهجوم الذي شنته دولة الاحتلال ضد سيادة وأمن قطر، وبهذا الصدد أكد رئيس الوزراء شهباز شريف قوله ” بأنه مهما بلغت الإدانة، فلن تكون كافية”. وأضاف بأن ” الدماء التي تُسفك في فلسطين، والأطفال والشباب والأمهات، والشيوخ الأبرياء الذين يُستشهدون يوميا في غزة، بأن ذلك لا يوجد له مثيل من الوحشية والقمع في التاريخ الإنساني”. ومن جانبه أكد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية إسحاق دار بأن الحكومة الباكستانية قد أصدرت بيانًا فوريًا بعد الهجوم على الدوحة، مضيفًا أنه تحدث شخصيًا إلى أمير دولة قطر ليؤكد تضامن باكستان معها.
لم تكتف باكستان بشجب الهجوم الغاشم بل فعّلت دبلوماسيتها اتساقّا مع موقف الجزائر والصومال اللذان دعيتا أيضا مجلس الأمن في عقد لقاء طارئ في ضوء هجوم دولة الاحتلال على قطر. وأكدت باكستان بأنها دعت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، وبالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إلى عقد جلسة نقاش عاجلة لمناقشة ” الهجوم السافر”. وهذه التحركات الدبلوماسية الباكستانية تشعرنا أن أمن الدول العربية من أمن باكستان، وأن إسلام آباد لعبت دورا محوريا للدفاع عن اشقاءها العرب في المنظمات الدولية.
وفي مسعى ذي صلة بهذه الجهود، وتأكيدا على دور باكستان الطليعي في تأمين المصالح الدفاعية العربية؛ فقد وقّعت باكستان والمملكة العربية السعودية في الرياض اتفاقية دفاع إستراتيجي مشترك تتعهدان فيها برد مشترك على أي عدوان. كما أن الاتفاقية تنص على أن أي اعتداء على أمن وأراضي المملكة يعد اعتداء على أمن وأراضي باكستان، وكذلك العكس.
عُقد هذا الاتفاق الإستراتيجي ” “Strategic Mutual Defence Agreement في 17 سبتمبر 2025 بالعامصة الرياض حيث شهده كلٌ من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، ورئس الوزراء شهباز شريف، ورئيس أركان الجيش الباكستاني المشير عاصم منير. الاتفاق ينص على أن تقوم باكستان بالدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد أي هجوم عدواني يمسّ أمنها أو سيادتها”. وهذا الاتفاق يمثّل علامة فارقة في ترسيخ مبدأ سياسة باكستان الخارجية تجاه الدول العربية والدول الإسلامية جمعاء، وهو ما يعني أن باكستان حليف إستراتيجي موثوق في عمق القضايا العربية التي تمس أمنهم وسيادتهم وحقهم في الدفاع عن مصالحهم المشروعة.
