تحليلاتمقالات

الصراع الهندي الباكستاني… الحل في الرياض.

بقلم: د. عبدالغني أنجم.

تعيش منطقة جنوب آسيا مرة أخرى حالة من عدم الاستقرار؛ على وقع تصاعد حاد في التوترات بين الهند وباكستان النوويتين، وسط تحولات إقليمية ودولية متسارعة. فمن تعليق الهند لمعاهدة إندس، إلى تصاعد الخطاب العدائي وسباق التسلح لدى الجانبين، يلوح في الأفق شبح أزمة جديدة تهدد أمن المنطقة واستقرارها. والواقع الحالي يتمثل في انسداد قنوات الحوار واستعراض القدرات العسكرية، وتوظيف ملفات شائكة مثل المياه والحدود والإرهاب في لعبة شد الحبل الجيوسياسي.
في ظل التسلح النووي، وتنامي النزعة القومية، وتراجع المبادرات الدبلوماسية، يبدو أن الصراع يتجه نحو مزيد من التعقيد. ومع ذلك، تبقى فرص احتواء التصعيد ممكنة من خلال ضغوط دولية، وحاجة البلدين إلى الاستقرار الاقتصادي للوقوف في وجه تحديات داخلية مشتركة مثل المناخ والبطالة.
تعود جذور التوترات الأخيرة بين باكستان والهند إلى سلسلة من الأحداث المتراكمة، بدأت بإعلان الهند في عام 2019 عن إلغاء الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير، ما أثار موجة غضب في باكستان وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. لكن منحنى التصعيد عاد للارتفاع بشكل حاد خلال عامي 2023 و2025، مع دخول ملف “معاهدة إندس ” في قلب الأزمة. في أبريل 2025 أعلنت الهند تعليق التزاماتها بمعاهدة إندس، على خلفية حادثة بهلغام الدموية، وهو ما اعتبرته إسلام آباد تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي والوطني. يقف البلدان اليوم على حافة أزمة مفتوحة: عودة التوتر العسكري على الخط الحدودي، تصعيد في الخطاب السياسي والإعلامي، وقلق دولي متزايد من احتمال اندلاع مواجهة مباشرة بين قوتين نوويتين. وبينما تتزايد الدعوات الدولية للتهدئة، تترقب المنطقة الخطوة التالية في علاقة لم تعد فيها أدوات الردع كافية لضمان الاستقرار.
الوضع الآن يشهد جموداً دبلوماسياً، وعودة الخطاب العسكري المتشدد من الجانبين، إلى جانب مخاوف من استغلال الموارد المائية كسلاح جيوسياسي. وبينما تُواصل باكستان مساعيها الدبلوماسية وتحذّر من التداعيات، تلمّح الهند إلى مشاريع جديدة قد تعيد رسم خريطة توزيع المياه.
وفي ظل الغياب شبه الكامل للحوار المباشر، تبقى المنطقة على حافة مواجهة جديدة ما لم يتم كبح التصعيد عبر وساطات دولية فعالة.
وفي ظل الوضع الراهن، تتجه أنظار الخبراء والمراقبين نحو عاصمة القرار العالمي ومحور السياسة الآسيوية الرياض ليتدخل قادة المملكة المخلصون في هذه الأزمة لتفعيل قنوات الحوار والمفاوضات بين الهند وباكستان.
لماذا الرياض؟
أولا: العلاقات الاستثنائية.
تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقات قوية ومتينة مع كل من الهند وباكستان. فالعلاقات السعودية مع كل من إسلام أباد ونيودلهي ليست علاقات تقليدية فحسب، بل شراكة استراتيجية وتعاون ثابت وتطور مستمر وتوافق ثنائي في الرؤى والمواقف.
ولو تأملنا في العلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الهند؛ وجدنا هذه العلاقة ممتدة عبر تاريخ طويل من الزمن، تطورت خلال العقود الأخيرة إلى شراكة استراتيجية شاملة في مجالات التحالف الاقتصادي والتبادل التجاري والطاقة والدفاع والأمن والتكنولوجيا. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات بين الرياض ونيودلهي تطورا وتوسعا في المستقبل بناء على التوافق في الرؤى السياسية والاقتصادية والمصالح المشتركة.
والمتتبع للعلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية يدرك جيدا أن هذه العلاقة تعد من بين أكثر العلاقات ثباتاً وعمقاً في العالم الإسلامي، وهذه العلاقة لها جذور تاريخية وأعمدة راسخة لا يمكن أن تهزها رياح التقلبات الجيوسياسية في المنطقة والعالم. تجمع البلدين روابط دينية، وتاريخية، وسياسية وأمنية وثيقة، تدعمها مصالح استراتيجية مشتركة. فالسعودية وقفت إلى جانب إسلام آباد في الأزمات الاقتصادية وتتعامل معها كأنها ” صديق” مخلص للمملكة. بينما ينظر الشعب الباكستاني إلى المملكة كدولة شقيقة تدعمهم بسخاء وتقف إلى جانبهم بكل شجاعة.
وعلى أساس هذه العلاقة القوية والمتينة للمملكة مع كل من إسلام آباد ونيودلهي؛ يمكن القول أن الطرفين المتصارعين ( الهند وباكستان ) سيرحبان بالوساطة السعودية لحل الخلافات بينهما وستكون اقتراحات الرياض محل تقدير واحترام لدى الجانبين.
ثانيا: المساهمات الدبلوماسية للمملكة في حل النزاعات العالمية.
الرياض لها دور مهم وريادة دبلوماسية في حل النزاعات والصراعات الدولية، وقد سبق أن استضافت الرياض أطراف متنازعة وتم التوصل إلى حلول سلمية من أبرزها: الأزمة السودانية؛ حيث استضافت الرياض مفاوضات جدة بين طرفي الصراع( الجيش السوداني والدعم السريع ) سعيا لوقف اطلاق النار وتحقيق الاستقرار في السودان.
الأزمة السورية: الرياض دعت إلى حل سياسي شامل في سوريا واستضافت مؤتمرات دولية للحفاظ على وحدة وسيادة سوريا وعودة اللاجئين.
الأزمة اليمنية: الرياض دعمت الحكومة الشرعية ودعت إلى وقف إطلاق النار ومفاوضات شاملة مع الحكومة الشرعية والحوثيين. كما أن المملكة تعد من أكبر الداعمين لإعادة الإعمار في اليمن عبر مشاريع إنسانية ضخمة .
القضية الفلسطينية: السعودية لها موقف ثابت ومتزن حول قضية فلسطين حيث تطالب بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. إضافة إلى ذلك الرياض لعبت دورا دبلوماسيا مهما لوحدة الصف الفلسطيني الداخلي واستضافت لقاءات بين الفصائل الفلسطينية.
الأزمة الاوكرانية: قامت السعودية بتنسيق عمليات تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا كما استضافت قمة دولية في جدة لبحث سبل وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.
وأخيرا استضافة المفاوضات بين القطبين الكبيرين ( أمريكا وروسيا) لحل النزاعات بين القوى الكبرى من أجل الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدولي.
فهذه الانجازات الدبلوماسية للرياض على الصعيد الدولي تشهد وتتنبأ أن الرياض لديها صلاحية وأهلية لحل النزاعات بين إسلام آباد ونيودلهي.
ثالثا: الثقل الإقليمي والدولي للمملكة:
المملكة العربية السعودية لها ثقل إقليمي ودولي مستندا إلى مكانتها الاقتصادية والدينية والجيوسياسية.
ويرى الخبراء والمراقبون للصراعات والأزمات الدولية أن السعودية كقوة إقليمية وضامن لحل النزاعات الدولية تستطيع أن تلعب دور الوساطة بين باكستان والهند لإنهاء الصراعات والنزاعات بين الجانبين، استنادا إلى علاقاتها المتينة مع كل من الهند وباكستان والاحترام الذي يتمتع به الرياض لدى كل من إسلام أباد ونيودلهي.
رابعا: ملامح الوساطة في بيان الخارجية السعودية على خلفية التوترات بين الهند وباكستان، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا رسميا دعت كلا من الهند وباكستان إلى خفض التوتر وتجنب التصعيد. كما دعت السعودية الطرفين المتصارعين إلى حل الخلافات عبر الطرق الدبلوماسية. واللغة الدبلوماسية المستخدمة في هذا البيان كانت تلمح إلى نية الرياض غير المعلنة لعقد مفاوضات بين نيودلهي وإسلام أباد حول التوترات الأخيرة. فبيان الخارجية اتسم بالاتزان والحيادية كأنه رسالة ولسان الوساطة القادمة. وقد رحب الجانبان بتصريحات الخارجية السعودية، ولعل لدى كل من إسلام أباد ونيودلهي نية غير معلنة للجلوس على طاولة المفاوضات بحضرة سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى