تقرير لمركز إندس: مواقف الأحزاب السياسية الباكستانية من الاتفاق الدفاعي مع السعودية

إعداد: وحدة الشؤون السياسية بمركز إندس للدراسات الباكستانية-
في خطوة وُصفت بالتاريخية، وقّعت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك، لتفتح فصلًا جديدًا في مسار العلاقات الثنائية وتعزز موقع البلدين في معادلة الأمن الإقليمي. هذه الاتفاقية، التي تحمل أبعادًا سياسية وعسكرية واسعة، انعكست مباشرة على الساحة الداخلية الباكستانية، حيث تفاعلت معها الأحزاب السياسية الكبرى والدينية بشكل لافت.يستعرض هذا التقرير أبرز المواقف السياسية في باكستان حيال الاتفاقية الدفاعية الاستراتيجية الموقعة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، باعتبارها محطة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية، وانعكاسًا لمكانتها في وجدان الشعب الباكستاني. فباكستان، بوصفها دولة تقوم على النظام الجمهوري، تُعد الأحزاب السياسية فيها الركيزة الأساسية والحاضنة الطبيعية لصوت الشعب وإرادته.ورغم ما تتسم به الساحة السياسية الباكستانية من تباين واختلافات في الرؤى والبرامج، إلا أن ثمة خيطًا جامعًا يبرز في المواقف تجاه القضايا القومية والمصالح العليا. وبينما تتقاطع بعض القوى في ملفات معينة وتفترق في أخرى، فإن هذا التقرير يضع بين يدي القارئ صورة وافية عن مواقف الأحزاب من الاتفاق السعودي – الباكستاني، تاركًا له الكلمة الفصل في تقييم ما إذا كان الاتفاق يحظى بإجماع وطني أو بجدل سياسي.
في المشهد الباكستاني، تتعدد الأحزاب بتعدد خلفياتها، فمنها ما يجمع بين السياسة والدين، وأخرى بين السياسة والتجارة. غير أن هذه الكيانات غالبًا ما تُصنف بأنها هشة وغير مستقرة، إذ تُبنى مواقفها على اعتبارات ضيقة ومصالح آنية. وفي المقابل، تتصدر المشهد قوى راسخة ذات ثقل فكري وسياسي حقيقي، تعكس الوجه الأصيل للنظام الجمهوري.وتبرز ثلاثة أحزاب رئيسية تمثل النظام الجمهوري بمفهومه الدستوري وهي:
حركة الإنصاف الباكستانية (حزب عمران خان).حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (حزب نواز شريف).حزب الشعب الباكستاني (حزب آصف زرداري).كما تشارك ثلاث جماعات دينية كبرى ذات طابع سياسي مستقل بفاعلية لافتة:جمعية علماء الإسلام (حزب مولانا فضل الرحمن).الجماعة الإسلامية (تنظيم الإخوان المسلمين).مجلس وحدة المسلمين (المنظمة الشيعية الباكستانية).وفيما يلي قراءة في مواقف أبرز هذه الأحزاب وقادتها حيال الاتفاق السعودي – الباكستاني:
أولًا: حركة الإنصاف الباكستانية: على الرغم من كونها حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، ورغم ما يُثار أحيانًا من اتهامات بانتهاجها سياسات قد لا تنسجم مع مصالح المملكة، فإن حركة الإنصاف الباكستانية (PTI) سارعت إلى الترحيب بالاتفاقية، مؤكدة دعمها الكامل لها.وأصدرت الحركة بيانًا رسميًا جاء فيه: “تُثمن حركة الإنصاف توقيع الاتفاقية الاستراتيجية الدفاعية المتبادلة بين باكستان والمملكة العربية السعودية. هذه الخطوة تعكس عمق العلاقات بين البلدين، القائمة على الأخوة الإسلامية والمصالح الاستراتيجية المشتركة والدعم المتبادل الممتد عبر عقود. كما أن تعزيز التعاون الدفاعي والأمني يحمل آفاقًا واسعة لإرساء الاستقرار الإقليمي وتعزيز الأمن الجماعي.”وأشار البيان إلى أن فترة رئاسة عمران خان شهدت ذروة العلاقات الباكستانية – السعودية، حيث تعززت بمبادرات استثمارية كبرى، ودعم مالي واسع، ولقاءات تاريخية رفيعة المستوى أسست لثقة متبادلة ورؤية مشتركة.وأكدت الحركة تطلعها إلى إيضاح تفاصيل الاتفاقية عبر البيانات الرسمية ضمانًا للشفافية وإبقاء الشعب على اطلاع، مجددة التزامها الثابت بالشراكة الاستراتيجية مع المملكة، ومثمنة الدعم السعودي المستمر، وواصفة التعاون القائم على الاحترام المتبادل بأنه الضامن لتحقيق السلام والازدهار للبلدين والمنطقة بأسرها. ومن أبرز القادة الذين عبروا عن ترحيبهم لهذه الاتفاقية الرئيس الباكستاني الأسبق عارف علوي، ووزير الإعلام الأسبق فؤاد تشودري، ومستشار عمران خان السيد ذولفي بخاري، والأمين العام للحزب أسد قيصر.كما كتب القيادي البارز في الحزب علي محمد خان مقالًا خاصًا أعرب فيه عن فخره بالاتفاقية، مشيرًا إلى أن المملكة وطنه الثاني، وأن الدفاع عن أرضها شرف ووسام لكل باكستاني.
ثانيًا: حزب الشعب الباكستاني:بدوره، اعتبر حزب الشعب الباكستاني الاتفاقية “خطوة تاريخية” تعكس تطلعات الشعب الباكستاني لوحدة الصف الإسلامي.وأكد رئيس الحزب بلاول بوتو زرداري أن كل باكستاني يتمنى حماية مكة المكرمة والمدينة المنورة، مشددًا على أن الاتفاقية تحمل قيمة رمزية وروحية عميقة تتجاوز بعدها العسكري.أما السيناتورة البارزة شيري رحمان، فقد وصفت الاتفاقية بأنها “محطة جيو_استراتيجية فارقة في ظل التحولات الإقليمية”، معتبرة أن النص الذي ينص على أن أي اعتداء على إحدى الدولتين يُعد عدوانًا على الأخرى يشكل سابقة غير مسبوقة بأبعادها الأمنية والردعية في كل من غرب آسيا وجنوب آسيا.
ثالثًا: حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف): نظرًا لأن الاتفاقية وُقعت خلال فترة حكم الحزب بقيادة شهباز شريف، فقد جاء موقف حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية طبيعيًا في الترحيب والتأييد.وقال وزير التخطيط والتنمية البروفيسور أحسن إقبال: “أهنئ شعب باكستان على هذه اللحظة التاريخية وافتتاح فصل جديد في علاقات باكستان مع المملكة العربية السعودية. وأثني على رؤية رئيس الوزراء شهباز شريف ورئيس أركان الجيش الفريق أول عاصم منير، كما أقدّر القيادة السعودية في صياغة هذا الاتفاق، الذي يعزز التعاون الدفاعي، ويدعم السلام الإقليمي، ويوحّد القلوب حول مكة المكرمة والمدينة المنورة.”
رابعًا: جمعية علماء الإسلام:في خطاب مؤثر ألقاه في كراتشي، أكد زعيم الجمعية مولانا فضل الرحمن أن الاتفاقية، إلى جانب القمة الإسلامية الطارئة في الدوحة، تشكل خطوة راسخة نحو توحيد الصف الإسلامي الممزق.وشدد على أن “هذا الموقف هو الثابت منذ تأسيس الجمعية”، داعيًا إلى وحدة الكلمة في مواجهة التحديات. وأكد أن الجمعية ستظل صوت فلسطين وقضايا الأمة كافة، وأن السعودية وباكستان تملكان من المقومات ما يؤهلهما لقيادة الأمة نحو التضامن والاصطفاف خلف القضايا المصيرية.
خامسًا: الجماعة الإسلامية: رحبت الجماعة الإسلامية بالاتفاقية، مؤكدة ضرورة توسيع نطاقها لتشمل الدول الإسلامية كافة.وقال رئيسها حافظ نعيم الرحمن: “الاتفاق يمثل خطوة إيجابية في مسار التعاون الاستراتيجي. ويجب أن يشمل إيران وسائر الدول العربية والإسلامية في إطار شراكة دفاعية جماعية. كما يجب أن توجه رسالة قوية إلى الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة وإسرائيل، بأن أي عدوان على دولة إسلامية هو عدوان على الجميع وسيُواجَه برد جماعي.”
سادسًا: مجلس وحدة المسلمين: أكد رئيس المجلس راجا ناصر عباس جعفري تأييده للاتفاق، واصفًا إياه بأنه “خطوة تاريخية تتناغم مع التوجيه القرآني الوارد في سورة الأنفال”. وربط الاتفاق بمبدأ الإعداد والجاهزية لمواجهة التهديدات، قبل أن يطرح تساؤلات جوهرية حول: نطاق تعريف العدوان في الاتفاق وانعكاساته على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، واحتمالية تحوله إلى نواة تحالف إسلامي أوسع يحد من النفوذ الغربي والإسرائيلي.
سابعًا: حركة المهاجرين المتحدة الوطنية: رحب زعيمها الدكتور خالد مقبول بالاتفاق، معتبرًا أنه يفتح فصلًا جديدًا في مسيرة الاستقرار والتنمية، ويمثل نقطة انطلاق نحو تعاون أشمل.
ثامنًا: حزب الشعب الوطني (ANP): أبدى زعيم الحزب إيمل ولي خان موقفًا نقديًا إلى حد ما، مشددًا على أن الاتفاق ينبغي أن يتجاوز الشعارات نحو خطوات عملية تشمل جميع الدول الإسلامية.وقال: “لقد حان الوقت لتقف الأمة صفًا واحدًا في مواجهة السياسات الأميركية والإسرائيلية. غير أن المؤسف أن السعودية وقطر وباكستان لم تُظهر بعد الجرأة الكافية لتشكيل اتحاد إسلامي قوي على غرار الناتو، فيما يبقى الواقع أن ما تريده الولايات المتحدة هو ما يحدث.”
الخاتمة:
يتضح من مواقف الأحزاب أن الاتفاقية الدفاعية بين المملكة العربية السعودية وباكستان حظيت بترحيب واسع من مختلف القوى السياسية في باكستان، مع تباين في مستوى الطرح والأولويات بين كل حزب وآخر. البعض رأى فيها تعزيزًا للتحالفات الاستراتيجية، والبعض الآخر نظر إليها كبداية لوحدة أوسع بين الدول الإسلامية. وبين هذه المواقف، يبقى الاتفاق حدثًا محوريًا في العلاقات الثنائية ورسم مستقبل الأمن الإقليمي.
