المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
تحليلاتثقافة وتاريخثقافة وتاريخدراساتسياسةقراءات أمنيةمقالاتمنشورات تاريخية

ذكرى استشهاد الجنرال ضياء الحق: القائد العسكري والمفتي المثير للجدل

إعداد: وحدة الشؤون السياسية بمركز إندس للدراسات الباكستانية. إسلام آباد-

في مثل هذا اليوم، 17 أغسطس، تحل الذكرى السنوية لوفاة الجنرال محمد ضياء الحق، الرئيس الباكستاني الأسبق، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لأكثر من عقد. جمع ضياء الحق بين العسكرية الصارمة والتوجهات الإسلامية المحافظة، ليترك إرثًا مثيرًا للجدل بين مؤيديه ومعارضيه في باكستان وخارجها.

خلفيات الأسرة والنشأة:

وُلد الجنرال محمد ضياء الحق في 12 أغسطس 1924 بمدينة جالاندهار (ولاية البنجاب بالهند قبل التقسيم). نشأ في أسرة متدينة متوسطة الحال؛ كان والده محمد أكبر موظفًا بسيطًا في دائرة الاتصالات، وقد حرص على تربية أبنائه على التعليم والانضباط. تلقى ضياء تعليمه الأساسي في مدارس جالاندهار، ثم التحق بكلية القديس ستيفن في دلهي؛ حيث درس التاريخ والعلوم الإنسانية. بعد تخرجه من كليةستيفن، انضم إلى الأكاديمية العسكرية البريطانية في ديهاردون عام 1945، ليبدأ مساره العسكري الرسمي.

المسار العسكري:

○ 1945: التحق بجيش الهند البريطاني ضابطًا شابًا في سلاح المدرعات.

○ 1947: بعد استقلال باكستان، انتقل إلى الجيش الباكستاني وأثبت جدارته بالانضباط والشجاعة.

○ الخمسينيات والستينيات: خدم في عدة مواقع ميدانية وإدارية، وشارك في الحرب الهندية–الباكستانية (1965).

○ 1973: أُرسل إلى الأردن مستشارًا عسكريًا وساهم في تدريب القوات الأردنية أثناء أحداث “أيلول الأسود”.

○ 1975: تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول (ليفتنانت جنرال)، وعُين قائدًا للفيلق الثاني المدرع في ملتان.

○ 1 مارس 1976: عيّنه رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو قائدًا للجيش الباكستاني خلفًا للجنرال تيكا خان، في خطوة ظن أنها ستضمن له الولاء، لكنها كانت بداية لانقلابه عليه بعد عام واحد فقط.

الانقلاب العسكري: بداية حكم ضياء الحق:

في 5 يوليو 1977، نفذ الجنرال ضياء الحق انقلابًا عسكريًا ضد حكومة ذو الفقار علي بوتو، رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيًا. أعقبت الانقلاب الأحكام العرفية وإلغاء الدستور المدني، ليصبح ضياء الحق الحاكم المطلق للبلاد. خلال حكمه، قام بتعديل الدستور لصالحه، ما منح الرئيس سلطات واسعة، وأضعف مؤسسات الدولة المدنية وخلق توترًا دائمًا مع الأحزاب السياسية.

أبرز الخلافات السياسية:

○ إعدام ذو الفقار علي بوتو: في 4 أبريل 1979، تم إعدام بوتو بعد إدانته في قضية اغتيال أحمد رضا قصوري، ما أثار موجة غضب محلية ودولية.

○ تضييق الخناق على الأحزاب السياسية: تمت مراقبة وتقييد أنشطة الأحزاب المعارضة، وتم حظر الأحزاب التي رفضت التعاون مع الحكم العسكري.

ضياء الحق بين نواز شريف وبوتو:

قيام ضياء الحق بانقلاب عسكري ضد حكم بوتو فتح بابا أمام نواز شريف للدخول في عالم السياسة وإغلاق باب السياسة في وجه بوتو وحزبه؛ إليك التفاصيل حول علاقات ضياء الحق مع كل من بوتو ونواز شريف:

ضياء الحق وذو الفقار علي بوتو:

صراع السلطة والمصير المحتوم:

الجنرال ضياء الحق نفذ انقلابًا عسكريًا في 5 يوليو 1977 ضد حكومة بوتو المنتخبة ديمقراطيًا، متهمًا إياها بالفساد والتلاعب بالانتخابات. بعد الانقلاب، عطل الدستور المدني، وبدأ في تعزيز سلطاته كرئيس فوق كل السلطات. في أبريل 1979، أصدرت المحكمة الباكستانية العليا الحكم بإعدام بوتو بتهمة اغتيال أحمد رضا قصوري، في قرار أثار جدلًا محليًا ودوليًا كبيرًا. يرى كثير من المؤرخين أن إعدام بوتو كان رسالة من ضياء الحق لتأكيد سيطرته المطلقة على السلطة ومنع أي محاولة لاستعادة النفوذ المدني. وهذا يؤكد على أن العلاقة بين ضياء وبوتو كانت علاقة صراع مباشر على السلطة، انتهت بموت بوتو وإرساء الحكم العسكري لفترة طويلة.

ضياء الحق ونواز شريف: دعم سياسي لاحق لصعود المستقبل:

نواز شريف كان تاجرًا ورجل أعمال قبل دخوله في عالم السياسة، وارتبط بعائلة حاكمة في البنجاب. خلال حكم ضياء، حصل على دعم ضمني من الجيش والأجهزة الأمنية، وهو ما ساعده لاحقًا على صعوده السياسي. تم تقديم نواز شريف أمام ضياء الحق كرجل أعمال وناشط سياسي داعم للنظام العسكري في باكستان. ليصبح وزير المالية في اقليم البنجاب وفيما بعد خاض الانتخابات الاقليمية في البنجاب وأصبح رئيس وزراء البنجاب. بعد وفاة ضياء الحق في 1988، استفاد نواز شريف من القاعدة العسكرية والإدارية التي تركها ضياء، وخاض الانتخابات التشريعية البرلمانية وأصبح رئيس وزراء باكستان. الجنرال ضياء منح البنية التحتية العسكرية والإدارية في إقليم البنجاب دعمًا ضمنيًا لنفوذ سياسي اقتصادي لنواز شريف، ما مهّد الطريق لصعوده. العلاقة مع نواز شريف كانت تكتيكية واستراتيجية، حيث دعم ضياء شخصيات يمكنها الحفاظ على مصالح الجيش بعد رحيله، بعكس علاقته المتوترة والصدامية مع بوتو. فبوتو اختار صراعا مباشرا مع النظام العسكري، وعرف حزبه بالحزب المعارض للجيش في باكستان وانتهى الأمر بإعدامه على يد المحكمة الباكستانيةالعليا، وهذه العلاقة شكلت علاقة عدائية بالكامل. بينما وجدنا نواز شريف يسير نحو علاقة تكتيكية، دعم ضمني من الجيش أدى لصعوده السياسي بعد حكم ضياء، لم تكن علاقة صداقة شخصية بقدر ما كانت جزءًا من حسابات السيطرة على السلطة.

الأسلمة وتفضيل الفقه الحنفي الديوبندي:

أعلن ضياء الحق عن نيته تطبيق الشريعة الإسلامية، فقام بتعديل القوانين الجنائية لتشمل الجلد والرجم، وأدخل تغييرات على النظام المصرفي ليصبح خاليًا من الفائدة، وفرض الزكاة كنسبة إلزامية.

أثر سياساته على المذاهب والطوائف:

○ صعود نجم السنة الديوبندية: منح الحكم العسكري امتيازات للفقه الحنفي الديوبندي، ما عزز موقع السنة في البلاد.

○ تضييق الخناق على الشيعة: شهدت هذه الفترة تعميم قوانين صارمة لمراقبة أنشطة المنظمات الشيعية، وفرض ضياء قيودا مشددة على جماعاتهم السياسية، مثل حركة نفاذ الشريعة الجعفرية، التي طالبت بحماية حقوق الشيعة الدينية.

○ معارضة السلفيين: رغم قربه من المملكة العربية السعودية، لم يدعم ضياء العقيدة السلفية، وكانت الجماعات السلفية من أكثر المعارضين له في باكستان.

الجنرال ضياء الحق والطابع الديني في البنجاب:

كثير من البنجابيين (وليس الجميع) يميلون إلى المظاهر الدينية، يعني التدين الشكلي والالتزام بالعادات الدينية التقليدية، لكن لديهم معرفة محدودة بالشريعة الإسلامية التفصيلية أو الفقه العميق. هذا لا يعني فقدان الإيمان، بل يتركز اهتمامهم على الطقوس والعادات الظاهرية، مثلا أغلب البنجاببين لا يصومون شهر رمضان (الفرض) ولكن يهتمون الاحتفال بعيد الفطر (السنة) أكثر من الصوم نفسه. يهملون الصلوات الخمسة (الفرض) ويهتمون لحضور الجمعة (سنة) كأنه فرض عين، يهمشون سنن الرسول ويهتمون بعيد ميلاد الرسول. وهذه الظاهرة منتشرة داخل البنجاب بشكل ملحوظ إلى يومنا هذا.

الجنرال ضياء الحق واستغلال الدين:

الجنرال ضياء الحق، القادم من خلفية بنجابية، وقع في فخ التركيز على المظاهر الدينية. حاول استخدام الدين كأداة لتعزيز حكمه العسكري، ففرض قوانين الشريعة مثل الحدود، الزكاة الإلزامية، السفور والقوانين الجنائية الإسلامية، لكنه لم يكن متمرسًا فقهيًا أو قادرًا على تطبيق الشريعة بمعناها العميق لتكون الشريعة صالحة لمواكبة العصر في المجتمع الباكستاني.

○ العلاقة مع رجال الدين:

الفهم الظاهري للدين لدى ضياء أدى إلى توتر العلاقات مع بعض علماء الدين والمراجع الفقهية الذين شعروا بأن ضياء يستخدم الدين سياسياً وليس روحياً. على سبيل المثال، دعم السنة الديوبندية في تشريعاته القانونية، لكنه لم يحظَ بقبول كامل من السلفيين والفقهاء المعروفين في الشريعة والقانون؛ ما أدى إلى فشل مشروعه الديني.

السياسة الخارجية: توازن بين الشرق والغرب

اعتمد ضياء الحق سياسة خارجية واضحة المعالم:

○ دعم المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفيتي، ما أكسبه تأييد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.○ حافظ على علاقات قوية مع دول الخليج، خاصة السعودية، التي قدمت دعماً ماليًا وعسكريًا.○ مع ذلك، لم يتبع ضياء الحق سياسة دينية متشددة مع الدول الإسلامية، بل كان يوازن بين المصالح الاستراتيجية والسياسية.

اغتياله: لغز لا يزال قائمًا:

في 17 أغسطس 1988، تحطمت طائرة من طراز C-130 بالقرب من بهاولبور، مما أدى إلى وفاة ضياء الحق مع كبار المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين المرافقين له. ظل لغز الحادث محل جدل، حيث أُشير إلى احتمالية تورط مخابرات محلية أو إقليمية، لكن لم يتم الكشف عن الجهة المسؤولة بشكل قاطع.

مقبرة الجنرال ضياءالحق قرب جامع الملك فيصل:

تم دفنه بالقرب من جامع الملك فيصل في العاصمة إسلام آباد، تكريمًا لدوره في تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ولرمزيته كقائد حاول “أسلمة” مؤسسات الدولة.

إعدام بوتو: قرار تعسفي يعترف به البرلمان الباكستاني:

في 13 مارس 2024، اعترف البرلمان الباكستاني بالإجماع بمشاركة حزب نواز شريف المقرب من ضياء الحق؛ بأن إعدام رئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو كان قرارًا تعسفيًا، وأصدر قرارًا رسميًا يطالب بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه عام 1979. جاء هذا القرار بعد أن أصدرت المحكمة العليا في باكستان في 6 مارس 2024 رأيًا بالإجماع يفيد بأن بوتو لم يحصل على محاكمة عادلة، وأن الإجراءات القضائية لم تستوفِ متطلبات الحق الأساسي في محاكمة عادلة والإجراءات القانونية الواجبة.

تفاصيل القرار البرلماني:

○ تاريخ القرار: 13 مارس

2024○ المجلس: الجمعية الوطنية الباكستانية.

○ مقدمة القرار: النائبة شازيا ماري من حزب الشعب الباكستاني (PPP).محتوى القرار:

○ الاعتراف بأن محاكمة بوتو وحكمه بالإعدام كانا “إجحافًا فادحًا للعدالة”.

○ إشارة إلى نضال عائلة بوتو وأعضاء الحزب الذين ضحوا بحياتهم لإثبات هذه الحقيقة.

○ دعوة الحكومة الفيدرالية لإعلان بوتو “شهيدًا” و”بطلًا ديمقراطيًا وطنيًا”.

○ اقتراح إنشاء “وسام ذو الفقار علي بوتو” لتكريم العاملين والنشطاء الذين ضحوا من أجل الديمقراطية الحقيقية في باكستان.

السياق التاريخي:

○ محاكمة بوتو: في 18 مارس 1978، أصدرت محكمة لاهور العليا حكمًا بإعدام بوتو بتهمة التورط في اغتيال أحمد رضا قصوري، أحد مؤسسي حزب الشعب الباكستاني.

○ إعدام بوتو: تم تنفيذ حكم الإعدام في 4 أبريل 1979، في عهد الجنرال ضياء الحق.

○ إعادة النظر في القضية: في عام 2011، قدم الرئيس الباكستاني آنذاك آصف علي زرداري، زوج ابنة بوتو، مرجعًا إلى المحكمة العليا لإعادة النظر في القضية. في 6 مارس 2024، أصدرت المحكمة العليا رأيًا بالإجماع يفيد بأن بوتو لم يحصل على محاكمة عادلة.

ردود الفعل على هذا القرار :

○ المحكمة العليا أشادت بقرار البرلمان، مؤكدة أن الإجراءات القضائية لم تستوفِ معايير الحق في محاكمة عادلة.

○ الحكومة الفيدرالية: لم تصدر بعد قرارًا رسميًا بتنفيذ توصيات البرلمان.

○ المجتمع المدني رحب بالقرار، معتبرًا إياه خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة والتصحيح التاريخي.

تقييم الإرث:

بين التأييد والانتقاد تظل شخصية ضياء الحق مثيرة للجدل:

○ مؤيدوه يرونه قائدًا قويًا حافظ على استقرار الدولة وطبق بعض قوانين الشريعة.

○ معارضوه يعتبرونه دكتاتورًا عسكريًا قمع الأحزاب المعارضة، وأعدم رئيس الوزراء المنتخب، وفرض سياسات طائفية ضد الشيعة، وتجاهل السلفيين. ومع ذلك يبقى الجنرال محمد ضياء الحق رمزًا مركبًا في تاريخ باكستان الحديث، يجمع بين القوة العسكرية، الطابع الإسلامي السياسي، والاستبداد. تقييمه اليوم يختلف بين مؤيد ومعارض، لكنه بلا شك شكل مرحلة محورية في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، واستمر تأثيره على الحياة السياسية والاجتماعية حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى