
كتبه: د. عبدالرحمن بحر(المستشار الإعلامي بمركز إندس للدراسات الباكستانية)-
صرّح الرئيس دونالد ترمب أن أمريكا تسعى إلى اِستعادة Regain قاعدة بغرام الجوية متذرعًا بأن بلاده تخلت عنها بعد أن سقطت القاعدة في يد طالبان في 15 أغسطس 2021. فسر ذلك الحدث الجلل اِنسحابًا، ولكن كيفما كان التكتيك؛ فإن لسعته العسكرية كان مهيضًا في حق أحلاف عسكرية تدعى الريادة، وتبطّرت فيه أمريكا بترسانتها التي باهت بها تحت سواعد مقاتلي طالبان، والتي لم تكن لها إلا العزيمة والإيمان ضد قتال الغزاة. لم تنس أمريكا هذا الإذلال بحق، وكم كرّر ترمب انتقاداته اللاذعة ضد خصمه الرئاسي السابق بايدن بأنه تسبب في وهن الجنود الأمريكيين، وهزيمتهم أمام جنود طالبان الذين كانوا يركبون على الدراجات الهوائية. ها هو ذا قد كشّر ترمب أنيابه حيث بزغ لسانه بما وقر في صدره بأنه يريد أن يسترد مرة أخرى زهو أمريكا الهرم- التي كم تنبأ بزوال بطرها دهاقين المحلليين العسكريين بأنها لم تعد قوى عظمى كما كانت من ذي قبل. وهذه سنة الأيام تتداول في دورات تنعي خورها حيال ما أبدته الصين من ترسانة نووية في عرضها العسكري Parade بتاريخ 3 سبتمبر 2025. استنادًا إلى هذا التصريح الترمبي الجامح فإنه بات اختبارا للقانون الدولي، ومؤسساته العدلية، فها هي أمريكا تسفر عن وجهها الحقيقي ضاربة عرض الحائط بكل ما يمت بصلة إلى ما يسمى بالقانون الدولي، أو مجلس الأمن، أو محكمة العدل الدولية، ومتجاهلة نداءات الأمم المتحدة لأجل احترام سيادة الدول. حذو القذة بالقذة كما فعلته في غزة الجريحة ها هي مرة أخرى تريد أن تخرق القوانين بالتمادي في التحكم في مصائر الشعوب الحرة من حول العالم. استخدمت وكالة رويترز على موقعها الرئيسي ايراد تصريح الرئيس ترمب مستخدمة كلمة Control التي تعني معاني ليست إلا اِمعانًا في الغطرسة والتي منها:
1. المراقبة 2. التحكم 3. السيطرة. هذه المعاني الثلاثة هي ما أرادها ترمب بتصريحه اللندني أمام رئيس وزراءها كير ستارمر، حيث ذكرت الوكالة اقتباس قوله: The United States seeks to regain control of Bagram air base in Afghanistan وهو ما ذهب إليه الإستراتجيون الأمنيون، والمحللون السياسيون، والخبراء العسكريون بأن هذا التصريح لا يحمل إلا معنى الهيمنة في استخدام الأطماح السياسية وما يتعلق بها من السيطرة على جغرافيا الدول بحجة الأطماع السياسية وغيرها. أمريكا تريد بذلك ما قد يفسر على أساس تلك الثلاثيات ذات الدلالات العسكرية، والتي منها:
أولًا: المراقبة:
أجمع المراقبون العسكريون بأن تصريح الرئيس ترمب جاء في سياق ما فاجأت به الصين، أمريكا في عرضها العسكري المميز الذي أبدت فيه أسلحة نووية عابرة للقارات، وصواريخ تحمل تقنيات تكنولوجية وعسكرية فاقت سرعة الصوت، وأخطبوطها السلاح الجديد بأشعة الليزر الخارقة، وغواصات عسكرية.ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد عقد اجتماعًا مع الرئيس بوتين، ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والذي فسّره الرئيس ترمب بأنه تآمر على بلاده. وعليه جاءت خلاصة التحليل الجيو- إستراتيجي في مسعى ترمب لاستعادة قاعدة بغرام الجوية التي من خلالها تمكّن أمريكا من المراقبة اللصيقة للمارد الصيني، والروسي، وكوريا الشمالية، وإيران ثم أفغانستان نفسها التي أضحت قلعة محصنة ضد السياسات الأمريكية في المنطقة بخاصة إذا ما أمعنا النظر في أن روسيا قد صارت أول دولة تعترف بحكومة طالبان في 3 يوليو 2025م. وهو ما يعني أن [مراقبة] هذه الدول الضدية أصبح الشغل الشاغل للسياسة الأمريكية في سباقها المحموم مع التنين الصيني.

ثانيًا: التحكم:
أزعجت لقاءات الرئاسة الرباعية ضد السياسات الأمريكية (الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، وإيران) أطماع التمدد الأمريكي في تايوان، وبحر الصين الجنوبي الذي يمكن أن [يتحكم] في تجارة العالم، وليس بعيدًا من ذلك حماية الحلفاء الإقليميين (أستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية). وعليه، لم تعد أمريكا قادرة على اِعمال التريس في اتباع إستراتيجية ذات أبعاد طويلة المدى بل استعجلت الخطى في تهورات ترمب في أنْ أقدم على الحلم بـ [اِحتلال قاعدة بغرام]، وذلك من أجل أن يتحكم ويراقب من على قُرب جغرافي تلك المحاور المهددة لأمريكا.
ثالثًا: السيطرة:
إن ترمب سياساته مبنية على نظرية (البزنس)، وكسب الأرباح بفرض الضرائب والتعريفة التي أفلتت منه الهند تجاه تلك الأضداد الثلاثية، وما يمثّل ذلك من مخاطر في مصالح استدامة قوة روسيا في التغلب على العقوبات الاقتصادية، وفك زناد السيطرة الغربية عن روسيا ومثيلتها كوريا الشمالية، وليس بعيدًا من ذلك فك الاختناق على حكومة طالبان اقتصاديا، ودبلوماسيًا، وهو ما سيعني أن حسابات ترمب بدأت تطفف الكيل. وهكذا أرادها ترمب سياسة عرجاء يعطّل بها حركة تلك الأسواق الواعدة في اِتجاهها الشرقي، وليس أدل على ذلك من قمة شنغهاي للتعاون والتي عقدت في مدينة تيانجين الصينية من الفترة 31 أغسطس إلى 1 سبتمبر 2025م – حيث جاءت محصلة مخرجاتها نغمة على سياسات أمريكا وسعيها الدؤوب في السيطرة على موارد العالم، ولا شك أن تلك المقررات الاقتصادية في تيانجين قد جاءت هي الأخرى خصمًا على حسابات أمريكا.
رابعًا: موقف حركة طالبان:
جاء موقف حركة طالبان الحاكمة حاسمًا ورافضا في التساوم على أي شبر من أرض أفغانستان، وفي خطوة تبدو حصيفة وجديرة بالملاحظة الدبلوماسية فإن المتحدث باسم الرئاسة في كابل ذبيح الله، وقائد القوات الأفغانية قد ذكّرا أمريكا بالتزاماتها التي فاوضت عليها بالعاصمة الدوحة، ووقّعت بموجبها الولايات المتحدة الأمريكية، وحركة طالبان اتفاقية احلال السلام في أفغانستان، والمعروفة أيضًا باتفاق الدوحة في 29 فبراير عام 2020م بأن لا تتدخل أمريكا في سياسة أفغانستان الداخلية. ولكن، رغم هذا الرد الحاسم يبقى أن باب المخاطر الأمريكية قائم رغم ما يدعيه ترمب بأنه رجل السلام التي تدغدغه أحلام جائزة نوبل، فها هو ذا يسقط مرة أخرى في وحل بغرام كما وحل إنسانيا، وقانونيًا، وأخلاقيًا في غزة الصمود فأنى له بدعاوى الأمن بغض النظر إلى نيل جائزة السلام.
خامسًا: موقف الحكومة الباكستانية:
نحب أن نذكر في هذا الاستعراض الشامل لمواقف الدول المؤثرة إقليميا والتي منها باكستان، فإنها لم تكن في منأ من نيران ترمب، ففي العام 2017 حينما اتهم باكستان بأنها وفّرت ملاذًا آمنا لمقاتلي حركة طالبان ضد قوات حلف النيتو على أراضيها. حينذاك رفض البرلمان الاتحادي اتهامات ترامب – وها هوذا ترمب مرة أخرى يحوم حول حمى باكستان. حيث عدّ كثير من المحلليين الباكستانيين الإستراتيجيين بأن مساعي ترمب لاستعادة قاعدة بغرام الجوية ليست باكستان ببعيدة من رادار أمريكا الذي يسعى [للمراقبة] و [التحكم] و [السيطرة] على ما يجرى من مستجدات إقليمية مركزها الصين حليفة باكستان الإستراتيجية. وهو ما يعني ضمنًا أن مساعي أمريكا في سياساتها العسكرية التفوقية بأنها ستعمل على ضم مراقبة ترسانة باكستان النووية (احتمال مكّمل غير ناقص) فترمب كالثور الإسباني ينطح في كل إتجاه!. باكستان تبدو في موقف لا تحسد عليه في جيوبولتيكيا متغيرة، وديناميكية كسرعة الصاروخ يسابق صوتها في ترشيح ترمب لجائزة نوبل للسلام، فرغم حرص ترمب شخصيًا، واحتفائه بحلم جائزة نوبل، فإنه يبدو أنه لا يراهن على أي حسابات سيادية للدول، أو حركة الحقوق المدنية التي دحضت هولوكوست غزة الجريحة بريقها إلى ظلام دامس. مهما يكن من أمر فإنه يبقى السؤال المحوري الذي يحتاج إلى إجابة ماذا ستفعل الجارتان باكستان وأفغانستان حيال الإرادة الأمريكية العسكرية، والسؤال يمتد إلى الجارة الصين، وامتدادها الإستراتجي الروسي، فماذا ترى ستفعل هذه الدول. ترمب لا يتورّع من أي محظورات قانونية دولية أو إقليمية، فممارسة السياسة لديه مكاسب لحظية ولو على حساب حرمان الشعوب ودمار الدول. قد يبدو واردًا أن تعمل التحالفات الدولية الشرقية في أحلاف متعاضدة [عسكريًا] رغم ما يميز تحركاتها عناوين اقتصادية وسلمية – ولكن ماذا لو أُريد لها الانحسار أو الحد من تفاعلاتها المستحقة.