المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
ترجماتمقال رأيمقالاتمقالات مترجمة

غريتا وملالا وجها لوجه

بقلم: رفيعة زكريا ( ناشطة نسوية وكاتبة باكستانية )-

ترجمة( فريق مركز إندس للدراسات الباكستانية )- بإذن خطي مسبق من الكاتبة-

مع نهاية يوم الخميس الماضي، كانت القوات الإسرائيلية قد اعترضت جميع القوارب المشاركة في أسطول “الصمود العالمي” الذي انطلق نحو سواحل غزة. فقد كان الأسطول، المؤلّف من أكثر من أربعين قاربًا ويضم نحو 450 ناشطًا من بينهم عدد من الباكستانيين، يسعى إلى كسر الحصار البحري المفروض على القطاع منذ ثمانية عشر عامًا.كانت القوارب تحمل حليب الأطفال والمساعدات الإنسانية والغذاء والأدوية لسكان غزة الذين يواجهون المجاعة الفتاكة، وغالبيتهم من الأطفال. وفي عالمٍ وقفت المؤسسات والمنظمات الدولية متفرّجة على معاناة الفلسطينيين تحت آلة القمع الإسرائيلية، أراد هذا الأسطول أن يذكّر العالم بأنّ الضمير الإنساني لم يمت بعد، وأنّ غزة لم تُنسَ.ومن بين هؤلاء الذين احتجزتهم السلطات الإسرائيلية الناشطة السويدية في مجال المناخ غريتا تونبرغ، التي أصبحت أيضًا من أبرز الأصوات المدافعة عن الشعب الفلسطيني. وفي مقابلة لها قبل انضمامها للأسطول، قالت غريتا: “مهمتي هذه ما كان ينبغي أن توجد أصلًا، فهذه مسؤولية الحكومات والمنظمات الأممية التي يجب أن تلتزم بالقانون الدولي وتقدّم المساعدات الإنسانية”.لكن وجود هذا الأسطول، كما تقول، هو نتيجة لصمت الحكومات وتواطؤها، إذ يقف العالم متفرّجًا على مأساة أدّت إلى مقتل أكثر من 65 ألف مدني على أيدي القوات الإسرائيلية، فيما يُحاصر مئات الآلاف ويُتركون للجوع. كلمات غريتا تثير سؤالًا مؤلمًا: ما قيمة القانون الدولي في عالمٍ يسمح بحدوث كل هذه الاعتداءات والآلام؟غريتا تونبرغ ستُرحَّل قريبًا، لكن المؤكد أنها لن تتراجع عن نشاطها في الدفاع عن الفلسطينيين، بل ستواصل الضغط من أجل محاسبة الحكومات على صمتها.تجربتها تستحق التوقف عندها، فهي تُظهر كيف يمكن استثمار الشهرة العالمية في إحداث تغيير حقيقي في ضمير العالم. فغريتا، الفتاة الشابة التي تعاني من متلازمة أسبرغر، لا تربطها بالفلسطينيين أي علاقة عرقية أو دينية، لكنها اختارت أن تنحاز إلى إنسانيتهم، مبرهنةً على أن التعاطف لا يحتاج إلى هوية مشتركة، بل إلى قلبٍ حيٍّ وشجاعة أخلاقية.في المقابل، تقف شابة أخرى تحظى بشهرة عالمية مماثلة، هي ملالا يوسفزائي، أصغر حاصلة على جائزة نوبل للسلام.غير أن ملالا، بخلاف غريتا، لم تُظهر اهتمامًا فعليًا بقضية غزة. فقد أمضت العام الماضي في إنتاج عرضٍ مسرحي في نيويورك بالتعاون مع هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والتي بدورها لم تجرؤ يومًا على وصف ما يحدث في غزة بالإبادة، بل كانت – ولا تزال – من أبرز المؤيدين للصهيونية.وعندما خرج طلاب الجامعات الأمريكية للاحتجاج ضد العدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة، استهزأت كلينتون بهم، ووصفتهم بأنهم “غير متعلمين ومضلَّلون بالدعاية”. ولا غرابة في موقفها العاري عن الإنسانية، فهي من أكثر الساسة الأمريكيين دعمًا لإسرائيل، وممن تلقوا ملايين الدولارات من جماعات الضغط الصهيونية خلال مسيرتها السياسية وحملاتها الانتخابية. لقد أثبتت غريتا أن الإنسانية لا تزال موجودة.أما ملالا، فقد اختارت الانشغال بإنتاج عرضٍ مسرحي بعنوان “Suffs” تناول حركة المطالبة بحقوق المرأة في الولايات المتحدة، وقالت في مقابلة لوكالة “أسوشييتد برس” إن المشروع ساعدها على النظر إلى “العمل الحقوقي من زاوية مختلفة”.لكنها تجاهلت تمامًا أن النساء في جنوب آسيا كنّ يناضلن ضد الاستعمار البريطاني ويدفعن حياتهن ثمنًا لذلك قبل عقودٍ من ظهور الحركة النسوية الأمريكية التي تحتفي بنفسها كأول نموذج نسائي للنضال السياسي في التاريخ الحديث.وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تقصف المستشفيات في غزة دون أن تُصدر كلينتون أي إدانة، كانت ملالا تعمل معها بحماسٍ على العرض المسرحي، دون أن تُبدي أي رغبة في تصحيح السرد التاريخي الذي يُقصي النساء السود والآسيويات من ذاكرة النضال.مفارقة قاسية: في حين كانت غريتا في عرض البحر تُخاطر بحريتها من أجل إنقاذ أطفال غزة، كانت ملالا تستعد لإطلاق كتابٍ جديد عن “اكتشاف الذات”، بعد أن بدأت فجأة – وتحت ضغط الانتقادات الشعبية – تتحدث عن القضية الفلسطينية.هكذا نرى في غريتا وملالا نموذجين متباينين لاستخدام الشهرة والسلطة الرمزية.فبينما تذكّرنا غريتا بأن هناك قضايا تتجاوز الذات وتستحق أن تُدافع عنها البشرية جمعاء، تُجسّد ملالا نموذجًا معاكسًا، حيث تتحول الشهرة إلى غاية بحد ذاتها، ويغيب عنها الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية تجاه المظلومين.إنّ غريتا تونبرغ تُثبت أن الضمير الإنساني لم يمت بعد، بينما تُذكّرنا ملالا بأنّ المجد الشخصي لا يُغني عن موقفٍ أخلاقي، ولا يُعيد إلى الضحايا حقّهم في الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى