
الهند وباكستان من الحروب النووية إلى حروب المياه.
د. عبدالغني أنجم.
في 22 أبريل 2025 وقع هجوم إرهابي مروّع في وادي بيسرَن بالقرب من بلدة بَهَلْغَام في كشمير المحتلة الخاضعة للإدارة الهندية. حيث قام خمسة من المسلحين المجهولين بفتح النار على السياح المتواجدين في وادي بهلغام أسفر عن مقتل ٢٦ سائحا وإصابة أكثر من 20 آخرين. كان المهاجمون يرتدون زيًا عسكريًا ويحملون أسلحة من طراز AK-47 وM4. يُعد هذا الهجوم الأكثر دمويا في الهند منذ هجمات مومباي عام 2008.
ردود الفعل الهندية
الهند اتهمت باكستان بأن جماعات مسلحة باكستانية وراء هذا الهجوم، وبناء على هذا الاتهام العشوائي أعلنت حكومة رئيس الوزراء مودي بتعليق معاهدة إندس مع باكستان التي بموجبها تم تقسيم مياه الأنهار الكبيرة بين الهند وباكستان بإشراف ووساطة من البنك الدولي عام ١٩٦٠م، حينها وقع الجانبان على هذه المعاهدة في مدينة كراتشي. إضافة إلى إلغاء المعاهدة المذكورة قامت نيودلهي بإلغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الباكستانيين، وطردت دبلوماسيين باكستانيين من الهند.
الموقف الباكستاني
نفت إسلام آباد من جانبها أي صلة لها بالهجوم، ودعت إلى فتح تحقيق دولي محايد حول الحادثة. وكردة فعل رسمية قامت إسلام آباد بإغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الهندية، وأعلنت أنها مستعدة لخوض حرب نووية مع الهند إذا أرادت نيودلهي ذلك.
تصاعد التوتر بين البلدين مع تبادل إطلاق النار عبر منافذ الحدود بين القوات الهندية والباكستانية. أثار الهجوم إدانات دولية واسعة، وزاد من القلق العالمي بشأن الاستقرار في منطقة جنوب آسيا، لاسيما تصاعد التوترات بين الجارتين النوويتين.
تحليل الموقف الهندي
يبدو الموقف الهندي حول هذه القضية ضعيفا وغير منطقي، حيث قامت نيودلهي بتوجيه الاتهام إلى إسلام آباد بأنها وراء الهجوم دون تقديم أية أدلة مقنعة أو تحقيقات حيادية. نحن لا ننكر أن باكستان لها علاقة غير جيدة مع جارتها الهند ولا يعني ذلك أن أيّ هجوم أو تفجير يقع في الهند يكون وراءه باكستان، أو جماعات مسلحة لها ارتباطات مع إسلام آباد. وهذا النوع من المواقف لا تعتبر موقفا مقبولا بأية حال.
ويجدر التساءل هنا لماذا فشل جهاز الأمن الهندي في إحباط مخطط هذه الحادثة الدموية؟ أليس حدوث مثل هذه الحوادث الأمنية القاتلة في وضح النهار دليلا على الفراغ الأمني في طول الهند وعرضها؟ أليس من مسؤولية السلطات الهندية توفير الأمن والسلام للمواطنين والأجانب في كل مكان؟ أين ذهب واختفى الذكاء والدهاء الهندي الذي نشاهده في الأفلام الهندية؟
وهناك نقطة تركيز مهمة وهي أن السلطات الهندية بعد خمس دقائق فقط من حدوث الحادثة قامت بتوجيه الاتهام لباكستان وأعلنت تعليق معاهدة إندس إضافة إلى إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع باكستان، وقامت أيضا بطرد الدبلوماسيين الباكستانيين من الهند. وهذه ردود الأفعال الفورية خلقت شكوكا في أذهان المراقبين حول مصداقية ما تقوله الهند وما تقوم به من اتهامات ضد باكستان.
ولا شك نحن كمتابعين للأحداث العالمية لنا الحق أن نتساءل: هل كانت الهند على تواصل مسبق مع الإرهابيين الذين هاجموا السياح في ذلك المكان؟ وهل كنتم متأكدين أنهم مدعومون من باكستان؟ إذا كانت لدى الأجهزه الأمنية الهندية أدلة كافية حول وقوف إسلام آباد وراء المهاجمين، فلماذا لم يتم إلقاء القبض على هؤلاء المهاجمين قبل حدوث الحادثة؟ ومن جانب آخر لنفترض أن باكستان وراء هذا الهجوم أو أن المهاجمين كانوا على تواصل مباشر مع الجانب الباكستاني وتلقوا تعليمات من إسلام آباد؛ فكيف تم التأكد من ذلك خلال خمس دقائق فقط دون أي تحقيق محايد أو شهود عيان؟ هل المهاجمون أعلنوا أنهم موالون لباكستان؟ أم هل الخارجية الباكستانية أصدرت بيانا رسميا لتبني هذا الهجوم؟ أم كانت الأجهزة الأمنية الهندية على تواصل مباشر مع المهاجمين وتركتهم ينفذون الهجوم لخلق فرصة وأرضية مهيئة لاتهام باكستان وتشويه صورتها بإلصاق تهم الإرهاب بها؟ وهذه الأسئلة تكشف لنا عن سوء نية الهند وحملتها الممنهجة ضد باكستان، وتعمدّها لزعزعة أمن المنطقة، ومحاولتها لجر الدولتين إلى حرب نووية.
وعودة إلى تحليل ردود الأفعال الهندية التي أعقبت الهجوم الإرهابي، وجدنا أن الهند تعلن تعليق معاهدة إندس مع باكستان، وهنا إذا تأملنا في العلاقة بين الحادثة الإرهابية ومعاهدة إندس لم نجد أي علاقة بينهما. إذ تعد معاهدة إندس أقدم معاهدة تم ابرامها بين نيودلهي وإسلام آباد قبل ٦٥ عاما، وخلال هذه الفترة الممتدة حدثت هناك حروب وصراعات أكثر دموية من هذه الحادثة بين الجانبين، ومع ذلك لم نجد الهند تعلن تعليق هذه الاتفاقية.
فلماذا أعلنت الهند تعليق هذه المعاهدة وتحديدا في هذا التوقيت؟ كان من المفترض أنه إذا قامت باكستان بتعليق أي معاهدة أو اتفاقية مع الهند فمن حق الهند أن تعلن تعليق مثل هذه المعاهدات أو الاتفاقيات الثنائية كردة فعل. أما تعليق معاهدة على خلفية حادثة لا علاقة لها بهذه المعاهدة فهذا يدل على أن الهند تعاني من عدم التوازن أوصلتها إلى درجة الجنون. فبدل أن تقوم نيودلهي بشن هجوم فوري على باكستان كردة فعل من جنس العمل، أعلنت تعليق المعاهدة. ويرى الخبراء أن الهند إذا انسحبت عن الاتفاقية بشكل نهائي، فالمتضرر ليس فقط باكستان بل هناك اضرار ستلحق بالهند نتيجة إلغاء هذه المعاهدة. وهذا يدل على عدم استعداد الهند لمواجهة باكستان عسكريًا على أرض الواقع من جانب وأنها تحاول استخدام الموارد المائية كسلاح ضد باكستان من جانب آخر. ومن المؤكد أن ذهن القاريء مشغول بهذا السؤال: إذا كانت الهند غير مستعدة لخوض حرب نووية مع باكستان وتلجأ إلى حرب المياه في وقت الحروب؛ فلماذا أنفقت نيودلهي مليارات الدولارات من ضرائب الفقراء الهنود لتصبح دولة نووية؟ لماذا تلجأ الهند لاستخدام معاهدة إندس كسلاح نووي ضد باكستان بدل استخدام الأسلحة النووية التي صنعت لهذا الغرض؟
وبالتالي يترآى لي أن الهند لو كانت لديها أدلة مقنعة وكافية حول تورط باكستان في هجوم بهلغام لقامت بالهجوم على الأراضي الباكستانية فور الحادثة، وهذا لم يحدث لأن الهند ليس لديها أدلة أو شواهد تثبت تورط أو وقوف باكستان وراء هذا الهجوم. ولذلك لجأت الهند إلى تعليق معاهدة إندس لإثارة الفوضى من أجل صرف اِنتباه الشعب الهندي عن الفشل والاخفاق الأمني لدى الأجهزة الأمنية الهندية. ومن جانب آخر إذا كانت الهند حازمة وواثقة حول تورط باكستان في هجوم بهلغام لطالبت المجتمع الدولي بفتح تحقيق شامل وشفاف حول هذه الحادثة لمحاكمة باكستان؛ وهذا أيضا لم يحدث مع أن باكستان دعت الهند إلى فتح تحقيق شامل حول هذه القضية.
تحليل الموقف الباكستاني
الموقف الباكستاني حول هذه القضية يتسم بالاتزان والوضوح مقارنة بالموقف الهندي. فإسلام آباد نفت أي صلة لها بالهجوم ودعت إلى فتح تحقيق دولي محايد. وهذا الموقف الجريء منح باكستان انتصارات ومساندات دولية وأضعف المواقف والدعاوى الهندية. بدت باكستان ملتزمة بضبط النفس وواثقة من موقفها حيال الحادثة. ولكن في بعض المواقف وردود الأفعال وجدنا باكستان تشارك الهند في التسرع مثل الاغلاق الفوري لمجالها الجوي أمام الرحلات الهندية وقد يكون هذا لأسباب أمنية لمنع دخول الطائرات الحربية الهندية داخل الأراضي الباكستانية، ولكن هذا الرد قوبل برد هندي مماثل حيث أغلقت الهند مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الباكستانية لمدة شهر. وهذا الاغلاق الجوي المتبادل تكبد الجانبين خسائر اقتصادية وتجارية تجاوزت مليارات الدولارات.
ولعله في الختام يرى أن موقف باكستان يمثل الواقعية، وذلك في الدعوة إلى اشراك المؤسسات الدولية من أجل إجراء أي تحقيق شفاف حيث تكون نتائجه مرضية للجانبين بلا التحيز لأيٍّ من طرفي الصراع. وهذا الموقف الدولي هو الضامن الوحيد لإثبات حق الطرف المتظلم، وأما أن تقابل موقف باكستان بالصدود، والذهاب قدما في الدعاوى الأحادية فإنه يدل على أن الهند ليست بجادة كما أنها لا تملك أدلة وبراهين تثبت موقفها من الدعاوى ضد باكستان.
