المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
ترجماتثقافةثقافة وتاريخفنونفنون وترفيهمقالاتمقالات مترجمةمنشورات تاريخيةمواقع تراثية

فيلم “قصة تاج”… محاولة هندية لتشويه التراث الإنساني

كتبه/ سميع الله خان( ناقد سينمائي )- إسلام آباد.
ترجمة( مركز إندس للدراسات الباكستانية )-

لكي نؤمن ونصدق بالتاريخ، لا بد أولاً أن نتأكد من خلفية الراوي أو الكاتب؟ فإذا كان الناقل صادقًا وأمينًا ويتعامل بالحيادية يمكن الوثوق بروايته، أما إذا كان مصدرها مشكوكًا فيه أو مثيرًا للجدل، فإن ما يرويه لا يُعدّ تاريخًا بل مجرد أسطورة.

الفيلم الهندي الذي صدر مؤخرًا بعنوان “The Taj Story” يقوم على قصة مختلقة مثل الأساطير الشعبية. فهو لا يعكس حقائق تاريخية، بل يروّج لدعاية سياسية باتت مألوفة في عهد حزب بهارتیا جنتا (BJP) الحاكم في الهند، وهو الحزب الذي لطالما بنى سياسته على الانقسام بين الهندوس والمسلمين، وهو ذات الفكر الذي يشكل جوهر هذه الفيلم.
يحاول الفيلم مرارًا وتكرارًا اثبات الادعاء بأن خلف الأبواب الـ22 المغلقة في تاج محل يختبئ معبد هندوسي يسمّونه “تيجو محل”. غير أن هذا الادعاء رُفض من قبل القضاء الهندي نفسه. فقد قدّم أحد قادة حزب BJP التماسًا إلى محكمة اله آباد العليا للمطالبة بفتح تلك الأبواب، لكن المحكمة رفضت الدعوى قائلة: “إذا لم يكن الأمر يثير مشكلة لدى أحد، والأمر لم يكن مثرا منذ تاسيس تاج محل، فلماذا يثيرها المتقدم بالالتماس؟”

لاحقًا، عرض عدد من المؤرخين الهنود المرموقين صورًا حقيقية لتلك الأبواب، وهي لا تزال منشورة على مواقعهم الرسمية. وتُظهر الصور بوضوح أن هذه الأبواب ليست مداخل لأسرار أو معابد خفية، بل هي جزء من مناطق الخدمة والتخزين الخاصة بأعمال الصيانة والتنظيف الدورية لتاج محل، أي أنها لم تكن مغلقة لقرون كما يزعم الفيلم زورًا.

أما فكرة أن تاج محل كان في الأصل معبدًا هندوسيًا، فهي من بنات أفكار شخص يُدعى بي. إن. أوك (P.N. Oak)، وهو ليس مؤرخًا بل ضابط دعاية سابق في الجيش الهندي. وبعد تقاعده، انشغل بنسج نظريات خيالية لا تمت إلى الحقيقة بصلة. وحين فحص المؤرخون الهنود مزاعمه، أوضحوا أن نمط البناء لا يمكن أن يعود إلى عصور بعيدة كما يدّعي، لأن موادّه كانت لتتآكل بمرور الزمن. وعندما واجهوه بهذه الحقائق، غيّر موقفه قائلا أن شاه جهان هدم معبدًا كان قائمًا في الموقع وبنى مكانه تاج محل — وهي رواية يدحضها تمامًا السجلّ التاريخي الهندي.

فالوثائق الأصلية الخاصة حول تاريخ بناء “تاج محل” لا تزال محفوظة حتى اليوم. ففي العصر المغولي كان تدوين التاريخ ممارسة شائعة، لذا تتوفر وثائق دقيقة تتحدث عن تصميم القصر والمعماريين والمواد المستخدمة، فضلًا عن عقد تبادل الأراضي بين شاه جهان والراجا جاي سينغ، الذي وافق طوعًا على منح الأرض مقابل أربع حواضر (حويليات) قدّمها له شاه جهان. وهذه هي الحقيقة التاريخية الموثقة، لا أوهام أوك وأمثاله.
ولم تكن تلك أولى “البدع” التي أطلقها أوك؛ إذ زعم أيضًا أن الفاتيكان في الأصل معبد هندوسي، وأن العديد من الكنائس القديمة كانت معابد وثنية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليقول إن اليهودية والإسلام انبثقتا من الديانة الهندوسية — وهي افتراضات خيالية تفتقر لأي أساس علمي أو بحثي.
وفي عصرنا هذا، حيث أصبحت المعلومات متاحة للجميع، لم يعد ممكنًا إخفاء الحقيقة أو تزوير التاريخ وترويجه طويلًا. فقد قام عدد من الباحثين والناشطين الهنود الموثوقين، مثل نيتش راجپوت وغيرهم، بتفنيد هذه الادعاءات وكشف زيفها، مؤكدين أن فيلم “Taj Story” ليس سوى محاولة جديدة لتسويق رواية سياسية هندوسية متطرفة، لا أكثر.

إن تلوين التاريخ بطلاء الدين أو السياسة هو خيانة للذاكرة الإنسانية، وظلم لتراث الأمة. فـ تاج محل ليس مجرد بناء من الرخام، بل رمز خالد للحب الإنساني، ولعبقرية العمارة والتصميم، وللتعايش الثقافي بين الشعوب. وتشويهه باسم التعصب الديني لا يصنع تاريخًا، بل عداءً للتاريخ نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى