
كتبه/ د. عبدالرحمن بحر (المستشار الإعلامي)-
في البدء نبارك للأمة الباكستانية الشقيقة ذكرى تأسيسها الميمون، وعهدها الثابت كجبال الهملايا التي اِقتطعته على نفسها بالوقوف مع قضايا الشعوب المظلومة منذ أن تأسست حيث وقفت مواقف مشرفة كان أبرزها رفض مؤسسها القائد محمد على جناح الاعتراف بإقامة “دولة إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد جاء موقف جناح الحازم في فترة حساسة من تاريخ الأمة الإسلامية، تحديدًا بين عامي 1947 و1948، حيث أعلن في تصريحات متعددة أن “باكستان لن تعترف بإسرائيل أبدًا”، مؤكدًا أن إقامة كيان استيطاني صهيوني يُعد ظلمًا سافرًا بحق الشعب الفلسطيني، وانتهاكًا صارخًا لحقوقه المشروعة. وهكذا سارت باكستان إلى يومنا هذا رغم تساقط دول إقليمية أخرى في فخ الصهيونية العالمية – في هذا المقال الحصري نسلط الضوء على حضور القضية الفلسطينية في الذكرى التأسيسية لباكستان استنادا إلى تحليل نظرة المؤسسين الأول وتجلياتها في دولة باكستان الحديثة، وكيف أنها ما بدّلت تبدلًا. ومن ذلك أن الأمة الباكستانية تتفرد بخصائص كثيرة تجعلها القلب النابض الذي يعتمل في حراك الأمتين العربية – و – الإسلامية، فهي منذ تأسيسها أكدت على مبادئ الإخاء والمساواة والوقوف جنبًا إلى جنبٍ مع قضايا الشعوب من حول العالم وبخاصة الأمة الإسلامية، وليس أدل على ذلك من جعلها قضية فلسطين حذو القذة بالقذة مع قضية كشمير المحتلة. ما غيرت باكستان تغيرًا، ولا بدلت في مواقفها الداعمة لقضايا الأمة الإسلامية والعربية، فجعلت فلسطين محط حراكها الدبلوماسي والسياسي، وذلك في وضعها أولى الأولويات، وطارت بها في المحافل الدولية تدافع عنها بلا مِنّة، فصدقت ما عاهدت عليه الأمة الإسلامية ولم تأل جهدا في بيان مواقفها تجاه القضية الفلسطينية بأنها قضية عادلة، وأنه لا تفريط في حق الفلسطنيين في أن يعيشوا في ظل دولتهم الأم رافعين علمهم يرفرف بين الأمم. ورفضت المساومات، والمناصفات، والتكسب من وراء آلام الفلسطنيين؛ بل رفعت صوتها في الأمم المتحدة بحقوقهم، ودافعت عن وجودها بالوقوف خلف القضية الفلسطينية كما وقضية كشمير. جعلت وزارة الخارجية الباكستانية أولى أولوياتها الخارجية بأن وضعت القضية الكشميرية – الفلسطينية بأنها ذاتي مواقف ثابت Long Standing Policy، وهكذا أتبعت القول (السياسة) بالفعل يدٌ طولى (داعمة) في أن فتحت مؤسساتها الرسمية والشعبية تجاه الوقوف مع الشعب الفلسطيني فجعلت جامعاتها مستقبلًا فاعلًا لدعم القضية بسواعد شبابها وفكرهم الدفّاق، وعززت ذلك بفتح وسائل الإعلام المتنوعة تتصدر أخبارها تسليط الضوء على أحقية القضية الفلسطينية ليس من باب المظلومية – كما يفعل آخرون – بل بأنه صاحبة قضية، وحق ومستحق ينبغي أن يُقر ويُصرّح به عاليًا خفاقًا بين الأمم. ومضت باكستان في خطى ثابتة تقدم الدعم اللوجستي في تواصل رسمي (G to G)، وتواصل بين الشعبين الشقيقين (P to P)، وزادت حُسنًا في أحياء الاحتفاليات الرسمية في عرض تصريحات المسؤوليين الباكستانيين الرسميين الداعمة للقضية المركزية، وتذكير الشعب الباكستاني بالوفاء والثبات في الوقوف مع أشقاءهم الفلسطينيين بأن جرحهم النزاف هو جرحهم، وأن آهاتهم هي آهات كل بيتٍ باكستاني. وهكذا ما من نشرات أخبار بخاصة المتلفزة إلا وتصدرتها عرض كافٍ لوحشية الاحتلال، وجرائمهم الممتدة في جسد الأمة الفلسطينية سواء بسواء كما يفعل الهندوس بالكشميريين المظلومين. ليس بعيدًا من ذلك الجُهد الرسمي أن تسابقت فيه المنظمات الخيرية، والإغاثية الباكستانية بخآصة المنظمات الصحية التي جعلت من شعار التبرع بالدم للمستشفيات العاملة في فلسطين رغم التضييق الشديد -المعلومة لدى الكل- إلا أن المنظمات الباكستانية كان لها الحظ الأوفر في التواجد بكوادرها المميزة وسط القصف، والمدافع، والقنابل الكثيفة التي كانت تنزل عليهم مناصفة شرفٍ مع الشيوخ، والنساء الحوامل، والأرامل بأطفالهن، والأطفال الرضع، والشيوخ المرضى، والأطفال الذين يتضورون جوعًا – كانت الطواقم الطبية في غزة الشرف، وخان يونس الصمود يؤدون واجب الإخاء والإنسانية. رسخت باكستان في مواعينها الفكرية عين ساهرة على الصعيد الثقافي الفكري الرسمي والشعبي عملت فيه بغرس صورة المسجد الأقصى وقبته الشامخة على رسوم الجدران، والمؤسسات الحكومية، والمنظمات الشعبية، وطرّزت مساجد باكستان- في مآذنها مجسم قبة الصخرة أسوة بالمسجد الأقصى، وليس هذا فحسب بل تسابقت الجماعات الدينية على مختلف مشاربها تسمية دور العبادة، ومدارسها الفكرية، ومنظماتها الخيرية باسم [ الأقصى] فهنا مؤسسة الأقصى – وهناك جامع الأقصى، وأخرى مدرسة فلسطين. هذا الاسم الفخيم (فلسطين) جعلت منه باكستان فخر الأمة الباكستانية. هكذا فاقت باكستان دولًا إسلامية لا تبعد عن دولة فلسطين إلا مئات الأميال، فسبقتهم في تمددٍ إستراتجي [مساحة] في التعريف بأرض الميعاد ترسم في مخيلة الأمة مقدسات مقدرة تتغنى بها سيرة تاريخية مباركة، وترانيم صباحية ينشدها أطفال في بداية كل يوم حين يصبحون وحين يمسون. لا يمر يومٌ في باكستان إلا وفي احتفالاتها القومية ذكرى فلسطين – تقيمها المؤسسات الثقافية لإحياء ذكرى نكبة الأقصى وجرائم المحتل الغشيم فزادت الشعب إيمانًا وتسليما في التشرف بالوقوف قولًا وفعلًا. نعم، سبقت باكستان دولًا تدعى الإخاء، فسارعت بخطى كانت تمثّل [مسافة ] مباركة تمشي فيها بالخير تتألم بألم الآمهات، وتتوجع بأنين الأطفال، وتوجّع الشيوخ، وذروف دموع الأرامل – مسافةً تخطو فيها باكستان مسير أُخوةٍ ذات لُحمة محرمة على قتلة الرسل وأعداء الإنسانية سارت باكستان كل مسيرٍ مع إخوتهم الفلسطنيين – مشت في كل وادٍ قُطعت فيه زيتونة، أو نُكّبت فيه حظها على يد الغُزاة المستعمرين (المستوطنيين)، ثبتت في عهدها التي قطعته منذ التأسيس صدقًا كحجرٍ في أرض فلسطين يرجو ميعادًا يستنطق فيه حقها بأن وراءه صهيوني يرجو حتفه على أحفاد صلاح الدين.
