المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
تحليلاتدراساتدراسات اِستقصائيةشؤون دوليةمقالات

مواجهة مباشرة بين الإخوان المسلمين وحزب عمران خان

إعداد: قسم المتابعات – مركز إندس للدراسات الباكستانية-

ما إن هدأت الخلافات المثيرة التي أثارتها خطة ترامب داخل المجتمع الباكستاني، حتى اندلعت موجة جديدة من الجدل السياسي، ولكن هذه المرة على نحو غير تقليدي. فبينما اعتاد الشارع الباكستاني الخلافات بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة، فإن الساحة السياسية تشهد اليوم سجالًا حادًا واتهامات متبادلة بين حركة الإنصاف الباكستانية بزعامة عمران خان والجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمون في باكستان)، رغم أن كلاهما خارج الحكم، وذلك على خلفية القضية الفلسطينية.

منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر على يد حركة حماس، تصدرت القضية الفلسطينية اهتمام الأحزاب السياسية الباكستانية، وبرزت الجماعة الإسلامية بمواقفها المؤيدة والمعلنة للجماعات المسلحة حول العالم تحت شعارات الدفاع عن المقدسات الإسلامية.في المقابل، يعيش زعيم حركة الإنصاف، عمران خان، خلف القضبان منذ فترة تسبق أحداث 7 أكتوبر، ويواجه حزبه انقسامات داخلية حادة حول الموقف من القضايا الوطنية والدولية، وعلى رأسها قضية فلسطين. وقد لُوحظ أن عمران خان لم يُدلِ بأي تصريح واضح حول القضية الفلسطينية منذ عامين، الأمر الذي أثار تساؤلات وشكوكًا في الأوساط السياسية والشعبية بشأن أسباب هذا الصمت.ومع تزايد حضور القضية الفلسطينية في المشهد السياسي الباكستاني، لم يصدر عن عمران خان أي بيان رسمي أو حتى تعليق غير مباشر على التطورات الأخيرة، وخاصة في ما يتعلق بخطة ترمب وحل الدولتين، ما دفع عددًا من السياسيين من حزب نواز شريف وحزب زرداري إلى مهاجمته، غير أن تلك الانتقادات لم تلقَ صدى واسعًا لدى الشارع الباكستاني، الذي لا يُبدي تفاعلًا كبيرًا مع قيادات الحزبين التقليديين.

غير أن الموقف تبدّل عندما شنّ زعيم الجماعة الإسلامية حافظ نعيم الرحمن هجومًا علنيًا على عمران خان خلال مسيرة جماهيرية كبرى قبل الأمس ، مطالبًا إياه بإدانة إسرائيل ولو عبر تغريدة، بل ذهب إلى حد القول إن عمران خان “لن يفعلها”، في إشارة إلى أنه “يدعم إسرائيل”.هذا التصريح أثار موجة غضب عارمة في صفوف أنصار عمران خان، الذين شنّوا حملة واسعة ضد زعيم الجماعة الإسلامية، واصفين إياه بـ”المنافق الأعظم”، ومتهمين الجماعة بأنها “مجلس المنافقين” و”منصة للكذب السياسي”. وردّ أنصار حركة الإنصاف بحملة إلكترونية واسعة تحت عنوان “لماذا تنافق”، تصدرت قائمة الترند في باكستان في السادس من أكتوبر 2025. يقول القيادي البارز في حركة الإنصاف فيصل جاويد خان إن “كل من يحاول الإساءة لعمران خان مصيره إلى مزبلة التاريخ، وحالة زعيم الجماعة الإسلامية حافظ نعيم خير مثال على ذلك”.من جانبها، صرحت الناشطة النسوية البارزة شهربانو بأن “الجماعة الإسلامية لا تطالب الرئيس آصف زرداري ولا رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف بإدانة إسرائيل، رغم أنهما أحرار ويتمتعان بكامل الصلاحيات، بينما تصر على مطالبة عمران خان، وهي تعلم أنه في السجن وممنوع من التواصل مع الإعلام. إن ما تقوم به الجماعة ليس دفاعًا عن فلسطين بل سعياً لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وهذا هو قمة النفاق”.في المقابل، أصدرت الجماعة الإسلامية بيانًا أوضحت فيه أن تصريحات زعيمها استندت إلى “أدلة واضحة” تثبت أن عمران خان لم يُصدر أي بيان لإدانة إسرائيل، فيما ردّ أنصار خان بنشر مقاطع وتصريحات سابقة له أدان فيها الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكدين أن الجماعة “تتاجر بالقضايا الإسلامية” وتستخدمها لأغراض سياسية ضيقة.

تُعد الجماعة الإسلامية في باكستان من أكثر التنظيمات نشاطًا في تنظيم المسيرات التضامنية مع حركة حماس، وقد شارك السيناتور المنتخب عن الجماعة مشتاق أحمد في “أسطول الصمود العالمي” الذي اعتقلته القوات الإسرائيلية.ويرى المفكر الإخواني الدكتور محمد مشتاق أن “الخلاف بين الجماعة الإسلامية وحزب عمران خان خلاف غير مبرر”، معتبرًا أن “مطالبة الجماعة لشخص داخل السجن بإدانة إسرائيل أمر غير منطقي”.أما الكاتب الباكستاني عامر خاكواني فعلق على الجدل قائلًا إن “مطالبة الجماعة الإسلامية لعمران خان بإدانة إسرائيل أمر يبعث على السخرية، في الوقت الذي تلتزم فيه الصمت تجاه نواز شريف وزرداري رغم أنهما أحرار ولا يخضعان لأي قيود”.

وهذه الاتهامات ليست الأولى التي تواجهها حركة الإنصاف٠ بزعامة عمران خان، إذ سبق أن تعرض الحزب لهجوم مماثل من وزير الدفاع خواجة محمد آصف، الذي تحدّى عمران خان علنًا أن يصدر بيانًا رسميًا يدين فيه إسرائيل ويعلن تضامنه مع حركة حماس.وتبرز المفارقة، بحسب مراقبين، في أن عمران خان كان قد أدان في مناسبات سابقة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنه تجنّب في الوقت نفسه إبداء دعم مباشر لحركة حماس، وهو ما اعتبره بعض الخبراء السبب الرئيس وراء تصاعد الانتقادات ضده من قبل الجماعة الإسلامية وعدد من قيادات حزب نواز شريف، الذين رأوا في صمته تجاه الحركة الإسلامية الفلسطينية موقفًا غامضًا يثير التساؤلات في الأوساط السياسية والشعبية.

وبين شد وجذب، يبقى الجدل بين حزب عمران خان والجماعة الإسلامية شاهدًا على عمق الانقسام السياسي في باكستان، حيث تتقاطع القضايا القومية مع المواقف الدينية، وتتحول القضايا الإسلامية الكبرى إلى أوراق ضغط داخلية بين القوى المتنافسة على الشارع الباكستاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى