مقال رأيمقالات

هل نسي قطار شهباز شريف مسار الخليج؟

كتبه/ د. عبدالغني أنجم( رئيس مركز إندس للدراسات الباكستانية ).
بعد التوصل إلى اتفاق وقف فوري لاطلاق النار بين باكستان والهند. شاهدنا الجانبين يحتفلان بالنصر في حرب لم تحدث بالحجم الذي كان يتوقع او كان يتنبأ به الخبراء. وبسبب كثرة الاحتفالات وكثافة الفعاليات لابراز انتصاراتهما عقب الهدنة في البلدين؛ وجدنا مراقبي الأحداث الحربية في تردد لحسم المنتصر أو المنهزم. فكل واحد منهما يدعي الانتصار على الآخر. ولكن هناك نقطة انتصار متفق عليها وهي أن باكستان تفوقت على الهند في دفاعها عن أراضيها والتصدي للهجوم الهندي. وقد اتسمت العملية العسكرية الباكستانية(البنيان المرصوص) بالقوة الفائقة والدقة في أهدافها مقارنة بالعملية الهندية (سيندور) التي ميزتها أنها كانت عشوائية على شكل ألعاب نارية في حفل زواج رئيس الوزراء مودي. فالهند اعترفت بأن البنيان المرصوص كان بمثابة تهديد قوي لم يكن لدى الهند غير خيار الهدنة والاستسلام والموافقة على طلبات أطراف الوساطة(واشنطن والرياض) والرضوخ للضغوط الباكستانية.
وبعد إعلان الهدنة؛ دخلت الدولتان النوويتان في تصعيد إعلامي ودبلوماسي بدل التصعيد العسكري. فإسلام آباد قامت بتشكيل وفد دبلوماسي رفيع المستوى برئاسة زعيم حزب الشعب الباكستاني بلاول بوتو للقيام بزيارة الدول الأوربية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لدحض الاتهامات والادعاءات الهندية. في حين وجدنا الهند سبقت باكستان بتشكيل وفد دبلوماسي برئاسة وزير الخارجية الهندي للقيام بالدفاع عن مواقفها أمام الدول والمنظمات الدولية. ومن جانب آخر فكرت إسلام آباد في كسب الثقة والدعم من الدول الصديقة لها وتجييش الرأي الدولي الداعم لها. وبصدد ذلك قام وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار بزيارة مهمة إلى العاصمة بكين فور إعلان الهدنة، وذلك للتأكيد على الدور الصينى الأساسي في تفوق باكستان عسكريا على الهند. وخلال زيارته أكد دار على أن الدعم الصيني ساهم بشكل كبير في انتصار باكستان على الهند، و شكر القيادة الصينية على دعمها المتواصل ووقوفها الراسخ إلى جانب إسلام آباد في الدفاع عن أراضيها. بعد توجيه الشكر والتقدير لحليفها الأقرب والأقوى بكين؛ تحرك قطار شهباز شريف نحو الدول الصديقة لتقديم الشكر على المساندة والدعم التي لقيتها باكستان خلال حربها مع الهند. وهذا القطار كان يقل أبرز المسؤولين المدنيين والعسكريين وعلى رأسهم رئيس الوزراء نفسه وقائد الجيش الباكستاني.
وكان من المفترض أن يتحرك هذا القطار الدبلوماسي نحو الرياض التي لعبت دورا مهما في إنهاء الحرب؛ ولكننا وجدنا القطار يتوجه نحو تركيا ثم إلى إيران ومن ثم إلى أذربيجان وطاجيكستان. وهذا القرار أثار تساؤلات منطقية وشد انتباه الخبراء والمراقبين للوقوف على الأسباب وراء إختيار باكستان لهذا المسار.
الأسباب:
أولا: المواقف وقت المعركة:
المحارب دائما يبحث عن داعم حاسم يقف بكل شجاعة ووضوح إلى جانبه وقت المعركة. فالمحارب ينظر إلى من يتوسط لحل النزاعات مع خصمه كأن نصف الوسيط مع خصمه والنصف الآخر معه. ولعل هذا ماحدث مع دول الخليج في التصعيد الهندي الباكستاني. فالمصادر الدبلوماسية تؤكد أن قادة الخليج تواصلوا مع الطرفين للتهدئة وليس للتعبير عن موقف منحاز لأي طرف. ولعل هذه المبادرة كانت مبنية على حسن النية لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة؛ ولكنها في نفس الوقت كانت موقفا صادما للتوقعات الباكستانية. فباكستان (حكومة وشعبا) كانت تتوقع أن تعلن دول الخليج وقوفها إلى جانب باكستان ضد الهند على أساس أن قضية كشمير قضية إسلامية، ومن واجب الدول الإسلامية التضامن مع باكستان في هذه القضية. وهذا الرأي توصل إليه مركز إندس للدراسات الباكستانية بعد أخذ آراء لكثير من المسؤولين والخبراء والشعب الباكستاني. وأرى أن الدول الخليجية على حق في مبادرتهم لتهدئة الأوضاع دون الانحياز لأي طرف من طرفي النزاع، لأن الخليج لديها علاقات دبلوماسية واقتصادية ودفاعية مع الهند أيضا ولا يمكن تجاهلها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالهند التي تقترب من الصين والولايات المتحدة في قوة الاقتصاد والتقدم التكنولوجي. ولعل الوساطة الخليجية للتهدئة تلقتها باكستان بوجهة نظر سلبية إلى حد ما. فاتجهت تبحث عن دول أخرى تعلن تضامنها ووقوفها مع إسلام آباد ضد نيودلهي. فاتجه قطار شهباز شريف نحو الدول التي أعلنت تضامنها ووقوفها إلى جانب باكستان ضد الهند.
ثانيا: تركيا وأذربيجان تدخلان الخط:
في أعقاب التصعيد الأخير بين الهند وباكستان، أبدت كل من تركيا وأذربيجان مواقف داعمة لباكستان، مما أثار توترات دبلوماسية وتجارية مع الهند. وصفت وزارة الخارجية التركية الضربات الجوية الهندية بأنها “خطوة استفزازية” قد تؤدي إلى “حرب شاملة”. في حين أعرب الرئيس رجب أردوغان عن تضامنه مع باكستان، مشيدًا بردها “الهادئ والمتزن” على التصعيد الهندي. وأعلنت تركيا عن نيتها تعزيز التعاون الدفاعي مع باكستان، بما في ذلك تزويدها بطائرات بدون طيار من طراز “سونغار”، مما أثار قلق الهند بشأن استخدام هذه الطائرات في النزاع.
ومن جانب آخر أصدرت وزارة الخارجية الأذربيجانية بيانًا أعربت فيه عن قلقها إزاء العمليات العسكرية الهندية، عبر الرئيس إلهام علييف عن دعمه لباكستان، مؤكدًا على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون في مواجهة التحديات الإقليمية.
وكردة فعل على هذه التصريحات والمواقف؛ شهدت الهند حملات مقاطعة واسعة للمنتجات التركية والأذربيجانية، بالإضافة إلى إلغاء الرحلات السياحية إلى البلدين، وإلغاء الاتفاقيات التجارية.
إضافة إلى ذلك قامت الهند بإلغاء تصاريح الأمان لشركات تركية تعمل في مجال الطيران، وأجلت مراسم اعتماد السفير التركي الجديد، مما يعكس توتر العلاقات بين البلدين. تعكس مواقف تركيا وأذربيجان دعمًا قويًا لباكستان في مواجهة التصعيد مع الهند، مما أدى إلى توترات دبلوماسية وتجارية مع نيودلهي. هذا الدعم عزز العلاقات الثلاثية بين باكستان وتركيا وأذربيجان ولعل هذا السبب وراء توجه شهباز شريف إلى تركيا وأذربيجان بدل الخليج.
ثالثا: الخليج بين الاقتصاد والقوة العسكرية
تتمتع دول الخليج العربي باقتصاد قوي ومستدام، مما يجعلها محط أنظار العالم الثالث وخاصة العالم الإسلامي في وقت الأزمات الاقتصادية. وفعلا وجدنا دول الخليج تقدم الدعم المالي بكل سخاء للدول الإسلامية في وقت الأزمات الاقتصادية والأوقات العصيبة. ولكنها غير قادرة على تقديم دعم عسكري قوي لتلك الدول. ولعل الصين انتهزت هذه الفرصة وقدمت دعما عسكريا (مدفوعا) لباكستان خلال المواجهة والحروب مع الهند. فالصين لديها اقتصاد قوي ونظام عسكري ودفاعي يؤهلها لبناء علاقات اقتصادية ودفاعية في آن واحد مع الدول الإسلامية. ولعل الصين صرفت أنظار باكستان عن الخليج إلى بكين خلال حربها مع الهند. فاتجه قطار شهباز شريف إلى بكين بدل الخليج. ومن جانب آخر نجد تركيا متقدمة في الإنتاج الدفاعي مقارنة مع دول الخليج العربي؛ وأنقرة لديها علاقات دفاعية قوية مع إسلام آباد؛ وتصريحات أردوغان خلال المواجهة العسكرية بين باكستان والهند أعطت لإسلام آباد ضوءا أخضر لتلقي دعم عسكري من تركيا. وهذا الذي جعل قطار شهباز شريف يتوجه نحو أنقرة بدل الرياض.
رابعا: الآسيويون شعوب عاطفيون:
سبب آخر وراء توجه قطار شهباز شريف نحو أنقرة وبكين وهو كون الشعب الباكستاني شعب عاطفي. فالشعب الباكستاني يستعجل في تفخيم وتعظيم التصريحات والمواقف خلال الحروب والنزاعات الدينية ناسيا الخطط ذات الصلاحية طويلة الأمد. فالخطة الخليجية التي اقترحتها دول الوساطة على إسلام آباد ونيودلهي خطة سلام طويلة الأمد؛ بإمكان الطرفين أن يستفيدا منها وأن تخرجا من فخ الحروب إلى بر الأمان. ولكن الشعب العاطفي تجاهل أهمية هذه الخطة وبدأ يعظم ويرفع من قدر من أعلن دعم الحرب. ولاشك أن شهباز شريف جزء من الشعب والجينية العاطفية موجودة في دمه أيضا، لذلك تعاظمت لديه تصريحات أنقرة وبكين وعلييف؛ فنسي الخليج واتجه إلى أنقرة وبكين وأذربيجان.
خامسا: خلافات الهند مع بكين والدول الأخرى:
من طبيعة الشعوب أنها تبدي تأييدها لأعداء العدو. فعدو العدو صديقك، وهذا فعلا يحدث حاليا على أرض الواقع في جنوب آسيا. فالصين والهند تتعاركان على الحدود الفاصلة بينهما، وكذلك تتسابقان في التقدم الاقتصادي والتكنولوجي بشكل علني وغير علني. بمعنى أن بكين تنظر إلى نيودلهي كأنها خصمها القادم في الهيمنة على النظام الاقتصادي العالمي ولابد من محاصرتها. وكذلك تعتقد الهند أن تركيا وأذربيجان دولتان تهددان مصالحها في المنطقة فهي تسعى جاهدة في عرقلة التقدم لهذه الدول. ففي التصعيد الهندي الباكستاني وجدت هذه الدول فرصة انتقام من نيودلهي واستغلت هذه الفرصة معلنة وقوفها ودعمها لباكستان. فباكستان عدو للهند ومن هنا أصبحت إسلام آباد صديقة لدول تحارب على المصالح مع الهند.
سادسا: الحرب بين باكستان والهند حرب بين القطبين الصيني والأمريكي:
الصين والولايات المتحدة الأمريكية رغم أنهما لا تجمعهما حدود جغرافية؛ ولكنهما تتعاركان على المصالح الدولية والهيمنة على النظام العالمي. فالهند تعتبر دولة حليفة قوية لواشنطن في جنوب آسيا؛ وهذا التحالف يعتبر شوكة في حلق بكين. وبكين تسعى إلى كسر هذه الشوكة وإضعافها بأي وسيلة من الوسائل المتاحة لها. ولهذا السبب نجد بكين تقترب أكثر فأكثر من باكستان العدو اللدود للهند. ومن باب التقارب المتبادل تقترب باكستان من بكين أكثر فأكثر. وهذا السبب أيضا وراء مسار قطار شهباز شريف.
الخلاصة
بعد الوقوف على بعض الأسباب وراء اختيار باكستان لهذا المسار بدل الخليج، نستطيع أن نقول أن قطار شهباز شريف توجه إلى أنقرة وبكين وطهران و دوشنبه بناء على المصالح المشتركة المهمة في جنوب آسيا. وفي بعض الأحيان استغلت أنقرة وبكين الخلافات والنزاعات بين إسلام آباد ونيودلهي لتصفية حساباتها مع الهند عن طريق باكستان. ومن جانب آخر الشعب الباكستاني والحكومة الباكستانية مضطرون لتمجيد المواقف التركية والصينية والأذربيجانية لأنها جاءت في توقيت حربي يستدعي الشكر والتقدير. وكذلك هناك من يرى أن شهباز شريف وأردوغان تجمعهما صداقة قوية منذ أن أصبح شهباز رئيسا لوزراء البنجاب؛ ويرى شهباز شريف في أردوغان وخامنئي صفات زعامة يقودان الأمة الإسلامية حسب ما صرح به في أكثر من مناسبة دولية. ولذلك نجد شهباز شريف يفضل أن يقترب من أردوغان وخامنئي بدل قادة الخليج.
ولعل شهباز شريف سيقوم بزيارة إلى الخليج خلال الأيام القادمة، بعد ما ينزل من قطاره الذي توجه إلى أنقرة وطهران ودوشنبه وسيتوجه بعد أسبوع إلى بكين. ولكن يبقى السؤال مفتوحًا حول الدور الإيراني في هذا المشهد، حيث لم نلاحظ أي دور لطهران خلال التصعيد الهندي الباكستاني. فطهران لم تعلن دعمها الحاسم لباكستان ولم يكن لها دور الوساطة لإنهاء الحرب، ومع ذلك لماذا توجه قطار شهباز شريف إلى طهران لتقديم الشكر للخامنئي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى