خطة ترمب ورأي الشارع الباكستاني – قراءة في مواقف الأحزاب والمجتمع الدبلوماسي

–إعداد: وحدة الدراسات السياسية – مركز إندس للدراسات الباكستانية – إسلام آباد–
التقرير طويل. لطلب النسخة المطبوعة تواصل مع إدارة المركز على الرابط التالي:
https://wa.me/message/3N7N34UX3MZ5F1
منذ اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته لإنهاء الحرب في غزة، سارعت الحكومة الباكستانية إلى إعلان تأييدها الرسمي. فقد اعتبر رئيس الوزراء شهباز شريف الخطة مدخلًا حقيقيًا لضمان أمن المنطقة واستقرارها، فيما أصدرت وزارة الخارجية بيانًا مشتركًا مع ثماني دول عربية وإسلامية رحبت فيه بالمبادرة. هذا الموقف عكس توجهاً حكومياً واضحاً، لكنه في الوقت ذاته كشف عن مفارقة حادة بين الخطاب الرسمي والشارع الباكستاني.
ففي الداخل، برزت حالة من الانقسام الواضح: هناك من شكك في قدرة الخطة على تحقيق قيام دولة فلسطينية مستقلة، في حين طرح آخرون تساؤلات حول انسجام هذا الموقف مع الدستور الباكستاني الذي يحظر صراحة أي شكل من أشكال العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. أما الغالبية فقد رأت في موقف الحكومة، بقيادة شهباز شريف وبدعم من المؤسسة العسكرية، انحرافًا عن المبادئ الأساسية التي أرساها القائد الأعظم محمد علي جناح، وتهديدًا لمصالح باكستان الإستراتيجية والسياسية على المدى الطويل.

وقضية فلسطين في باكستان لم تعد تُقرأ فقط في إطار سياسي أو جغرافي، بل تحولت إلى قضية دينية بامتياز. هذا التحول لم يكن حصيلة المواقف الشعبية فحسب، بل ساهمت فيه أيضًا السياسات الإسرائيلية القائمة على البعد المذهبي والديني. ومن هنا، فإن أي مقاربة لفهم الموقف الباكستاني لا بد أن تبدأ من الجماعات الدينية التي تمتلك حضورًا ملموسًا في الشارع والبرلمان، قبل الانتقال إلى مواقف الأحزاب السياسية التقليدية.
بهذا الترتيب، يصبح من الضروري أولاً استعراض مواقف التيارات الدينية الرئيسية، ثم الانتقال إلى قراءة مواقف القوى الحزبية والحركات السياسية والمجتمع الدبلوماسي، ورموز الإعلام ، وذلك لتشكيل صورة متكاملة عن اتجاهات الرأي العام الباكستاني إزاء خطة ترامب وما تثيره من تداعيات إقليمية ودولية.
أولا: جمعية علماء الإسلام (حزب الشيخ فضل الرحمن): الموقف والتحليل
تعدّ جمعية علماء الإسلام بقيادة الشيخ فضل الرحمن من أبرز القوى الدينية والسياسية ذات الحضور الفاعل في باكستان، إذ تتمتع بوزن برلماني مؤثر وبقاعدة جماهيرية واسعة قادرة على قلب المشهد السياسي في حال الدعوة إلى احتجاجات أو مظاهرات.

وعلى الرغم من تحالف الجمعية مع حكومة شهباز شريف وحزب الشعب بزعامة زرداري، فقد خرجت عن هذا الإطار معلنة رفضها الشديد لخطة ترامب بشأن غزة، معتبرة إياها مشروعاً لاحتلال فلسطين بالكامل وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة. وفي مؤتمر صحفي خاص، أعلن مولانا فضل الرحمن رفضه التام لهذه الخطة، في خطوة وصفها الخبراء والمراقبون بأنها تحوّل دراماتيكي في المواقف، لاسيما أن الشيخ فضل الرحمن عُرف بدعمه الدائم لشركائه السياسيين في الحكم.
وشدد فضل الرحمن على أن إدارة قطاع غزة بمعزل عن حركة حماس أمر مرفوض وغير قابل للتفاوض، مؤكداً أن حماس هي الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني، وأن أي مشروع لإقامة دولة فلسطينية دون مشاركتها لن يكتب له النجاح.
تحليل مركز إندس:
إن الموقف الحازم لمولانا فضل الرحمن من خطة ترامب، واصطفافه العلني إلى جانب حماس، يكشف عن أبعاد أيديولوجية ودينية واضحة، ويؤشر إلى تداعيات محتملة على مسار العلاقات الباكستانية-العربية، خصوصاً في ظل ما يشهده التعاون بين إسلام آباد وبعض العواصم الخليجية من تقارب متزايد.
وتتضح خلفيات هذا الموقف من خلال عاملين رئيسيين: أولهما العلاقات المتينة التي تربط الجمعية بقيادات حركة حماس، وثانيهما إدراكها لمدى رفض الشارع الباكستاني لأي مشروع يستثني المقاومة الفلسطينية. فالجمعية، باعتبارها تنظيماً سياسياً ذا طابع ديني، تحاول توظيف موقفها هذا لتعزيز حضورها الداخلي وكسب الدعم الشعبي.
لكن تساؤلات جوهرية تطرح نفسها: هل بحثت حكومة شهباز شريف تفاصيل خطة ترامب مع مولانا فضل الرحمن قبل إعلان موقفها؟ وهل حاولت القوى الخليجية، وعلى رأسها السعودية، التأثير في موقف الجمعية لصالح مبادرتها لحل الدولتين؟ تشير المعطيات إلى أن الحكومة لم تنجح في إقناع الجمعية، كما أن نفوذ اللوبي الخليجي في تحديد سياسات فضل الرحمن تجاه قضايا الشرق الأوسط لا يبدو قوياً، رغم وجود مظاهر تقارب سابقة.
ويؤكد بيان الجمعية الرسمي الصادر في 30 سبتمبر 2025 هذا الموقف، حيث وصف فضل الرحمن خطة ترامب بأنها “خطة لتوسيع الدولة اليهودية إسرائيل، وليست مبادرة للاعتراف بفلسطين أو تحرير القدس”. وطالب قائد الجيش الجنرال عاصم منير ورئيس الوزراء شهباز شريف بالتراجع عن دعم هذه الخطة، مشيراً إلى وجود “تناقضات واضحة”، ومشدداً على أن استبعاد حركة حماس يعني فرض حلول قسرية مرفوضة.
هذا الموقف الصريح يفتح الباب أمام تساؤلات جديدة: هل باتت حماس أكثر تأثيراً في صياغة مواقف جمعية علماء الإسلام مقارنة باللوبي الخليجي الذي يدفع نحو إقامة دولة فلسطينية دون إشراك الحركة؟ المؤشرات تشير إلى تنامي تأثير حماس على الجمعية، خاصة بعد الزيارات المتكررة التي قام بها مولانا فضل الرحمن إلى الدوحة ولقاءاته المباشرة مع قيادات الحركة، حيث أعلن صراحة دعمه لحماس وتبني سياساتها في غزة.
من هنا يمكن القول إن رفض الجمعية لخطة ترامب لا يمثل مجرد اعتراض سياسي عابر، بل يعكس تحوّلاً استراتيجياً في موقفها الأيديولوجي والسياسي، بما قد يسهم في إعادة صياغة التوازنات بين القوى الدينية والسياسية في باكستان من جهة، وعلاقاتها مع العالم العربي من جهة أخرى.
ثانيا: الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمون): الموقف والتحليل
أعلنت الجماعة الإسلامية في باكستان رفضها القاطع لمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إنهاء الحرب في غزة، معتبرة الخطة انتهاكاً صارخاً لحقوق الشعب الفلسطيني ومخالفةً لمبادئ العدالة الدولية.
وفي منشور رسمي على منصة “إكس”، قال زعيم الجماعة الإسلامية حافظ نعيم الرحمن:
“إن ميثاق الأمم المتحدة واضح: لكل أمة الحق في الكفاح المسلح إذا احتُلت أرضها، ولا يملك أي طرف أن يسلب منها هذا الحق. إن الإشادة بأي مقترح للسلام مبني على دماء أكثر من 66 ألف شهيد فلسطيني تعني الوقوف في صف المحتلين. ومن دون إرادة الأمة الباكستانية وموافقتها، كيف يجرؤ أي فرد على التحدث بلسان دونالد ترامب؟”.

هذا التصريح يعكس تمسك الجماعة الإسلامية في باكستان بالخط السياسي والأيديولوجي ذاته الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، حيث يتطابق خطابها في إدانة ورفض خطة ترامب مع الموقف الإخواني العام الرافض لأي تسوية سياسية لا تضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة دون مشاركة حماس وعودة اللاجئين.
وقد ركزت الجماعة خلال حرب غزة على تقديم حركة حماس بوصفها الممثل الشرعي لفلسطين والأمة الإسلامية بأكملها، وساهمت أنشطتها الإعلامية ومسيراتها التضامنية في تشكيل الرأي العام الباكستاني باتجاه دعم المقاومة الفلسطينية.
ويؤكد ذلك استطلاع الرأي الذي أجراه مركز إندس للدراسات الباكستانية حول الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، حيث أظهرت النتائج أن 70% من المشاركين اعتبروا حركة حماس السلطة الشرعية والقيادة الرسمية للشعب الفلسطيني، في مقابل نسبة محدودة رأت أن السلطة الفلسطينية تمثلهم.
كما تجلت آثار هذا التأثير الفكري في الموقف الإعلامي الباكستاني، إذ تبنى عدد من الصحفيين والكتاب الباكستانيين الخطاب ذاته الذي تروج له الجماعة الإسلامية. ومن أبرزهم الصحفي الباكستاني المعروف سيد طلعت حسين، الذي وجه انتقادات حادة لخطة ترامب، واصفاً إياها بأنها “خطة لتصفية القضية الفلسطينية وتقنين الاحتلال”.
وقال طلعت حسين في منشور له عبر منصة “إكس”:
“الخطة تنص على: لا دولة فلسطينية، ولا وجود للسلطة الفلسطينية في غزة، وحركة حماس تُلقى في مزبلة التاريخ بعد الإفراج عن جميع الأسرى؛ نتنياهو يصبح صانع سلام بعد أن قتل 64 ألف فلسطيني؛ أما ترامب فيحوّل غزة إلى صفقة عقارية في أرض غارقة بالدماء”.

هذا الموقف يعكس حالة رفض شعبي وإعلامي واسعة داخل باكستان تجاه خطة ترامب، ويرسخ صورة الجماعة الإسلامية باعتبارها القوة الأبرز التي تتبنى الدفاع عن القضية الفلسطينية من منطلق ديني وأيديولوجي. كما يُظهر انسجاماً بين خطاب الجماعة ومشاعر الشارع الباكستاني، الذي يرى في دعم المقاومة موقفاً مبدئياً لا يقبل المساومة.
ثالثا: مجلس وحدة المسلمين: الموقف والتحليل
أعلن مجلس وحدة المسلمين، وهو الجمعية الشيعية البارزة في باكستان، رفضه القاطع لما يُعرف بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، واصفاً إياها بأنها “إهانة للمسلمين واستسلام جبان أمام الاحتلال الإسرائيلي”.
وفي بيان رسمي، أكد رئيس المجلس العلامة راجا ناصر عباس الجعفري أن الخطة المكونة من 21 بنداً “مجحفة ومنحازة بالكامل لإسرائيل”، إذ تجاهلت الحقوق المشروعة والتاريخية للشعب الفلسطيني، وصيغت في غياب أي حوار مفتوح مع الفلسطينيين، كما أقصت الأطراف الرئيسية الفاعلة في القضية. وأضاف البيان أن الخطة لم تقدّم حلولاً واضحة لقضايا محورية مثل إقامة الدولة الفلسطينية، ووضع القدس، والأزمة الإنسانية في قطاع غزة، مكتفية بفرض مقاربة أمريكية أحادية الجانب تحت شعار “السلام”، تخدم المصالح الإسرائيلية قبل أي اعتبار آخر.
وانتقد المجلس موقف رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف الداعم للخطة، واصفاً إياه بـ“المتسرع”، لأنه لم يستند إلى إرادة الشعب الباكستاني المعروف بارتباطه التاريخي والعميق بالقضية الفلسطينية. واعتبر البيان أن هذا الموقف يمثل خروجاً عن التقاليد الراسخة في السياسة الباكستانية التي ظلت على الدوام منحازة لفلسطين وشعبها.
وختم البيان بالتأكيد على أن أي تسوية عادلة ودائمة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر عملية سلام شاملة وشفافة، تقوم على مشاركة فلسطينية أصيلة وتضمن سيادة كاملة للشعب الفلسطيني على أرضه، محذراً من أن الحلول المفروضة من الخارج محكوم عليها بالفشل.
تحليل مركز إندس:
بيان مجلس وحدة المسلمين لم يكن مفاجئاً في مضمونه، إذ يعكس توجهات المجلس بقيادة العلامة راجا ناصر عباس الجعفري المتماهية مع السياسة الإيرانية تجاه قضايا الأمة الإسلامية، ولا سيما قضايا الشرق الأوسط. ومع ذلك، بدا البيان أقل حدة وأخف لهجة مقارنة بموقفي جمعية علماء الإسلام والجماعة الإسلامية.
وتبرز في البيان ملاحظة لافتة، إذ لم يأتِ المجلس على ذكر حركة حماس بالاسم، مكتفياً بالإشارة إلى “الأطراف الفلسطينية”، ما قد يشير إلى توجه جديد في الموقف الشيعي الباكستاني المتأثر بإشارات من طهران، التي يُعتقد أنها تراجع علاقتها مع حماس في ضوء التطورات الإقليمية.
ويرجح خبراء مركز إندس أن المجلس يتبنى دعماً انتقائياً للحركات والتنظيمات بناءً على الانتماء المذهبي، وهو ما يفسر تجنبه إظهار دعم مباشر لحماس ذات الخلفية السنية الإخوانية. ويُرجّح كذلك أن رفض المجلس القاطع لخطة ترامب جاء كرد فعل على استبعاد طهران من البيان المشترك الذي أصدرته ثماني دول عربية وإسلامية دعماً للخطة، ما جعل الموقف الشيعي الباكستاني أكثر تحفظاً وأقل توافقاً مع الرؤية الخليجية.
بذلك، يظهر أن بيان مجلس وحدة المسلمين يعكس توازنات دقيقة بين التوجه الإيراني العام ومقتضيات الساحة السياسية الداخلية في باكستان، في وقت تتصاعد فيه التوترات الفكرية والسياسية حول مستقبل القضية الفلسطينية ودور الحركات الإسلامية فيها.

رابعا: حركة الإنصاف ( حزب عمران خان): الموقف السياسي بين التباين والصمت
تمر حركة الإنصاف الباكستانية في الوقت الراهن بمرحلة من الاضطراب السياسي نتيجة اعتقال معظم قياداتها العليا، وهو ما انعكس على مواقفها تجاه القضايا الوطنية والدولية، التي بدت متناقضة وضبابية من مسؤول إلى آخر. وفور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته بشأن غزة، رحب رئيس الوزراء شهباز شريف بها، وهو ما أثار انتقادات حادة من قيادات حركة الإنصاف، التي اعتبرت الموقف الحكومي “خضوعاً للإملاءات الأمريكية” وتفريطاً في الحقوق الفلسطينية.
وفي هذا السياق، صرح القيادي البارز في الحزب علي محمد خان قائلاً: “باكستان لن تقبل أبداً بدولة إسرائيل. نحن لا نؤمن بما يُسمى بحل الدولتين. باكستان تدعم دولة واحدة فقط، وهي الدولة العادلة لفلسطين. إننا لا نعترف بإسرائيل كدولة شرعية، وهذا يتعارض تماماً مع رؤية مؤسسي باكستان وموقف شعبها الثابت”.

أما القيادية البارزة شيري مزاري فقالت: “خطة ترامب ليست خطة سلام أو حل للدولتين، بل هي سلب لحقوق الفلسطينيين. لا يمكن أن تتحقق العدالة للشعب الفلسطيني في خطة يقودها ترامب، الذي يُعد الداعم الأعمى لإسرائيل”. وأبدى معظم قادة الحركة الموقف ذاته، رافضين الخطة ومعتبرينها “هزيمة سياسية ومعنوية للمسلمين”.
الملفت في موقف الحركة هو الصمت التام لزعيمها عمران خان، رغم المطالبات الشعبية الواسعة بإصدار بيان رسمي من داخل السجن. ويرى محللون أن عمران خان يودّ التعبير عن موقفه لكن السلطات الباكستانية تمنع وصول وسائل الإعلام إليه، فيما يعتقد آخرون أن خان في حقيقة الأمر يؤمن بفكرة “حل الدولتين” ويدرك أن الخطة قد تمهد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
ويرى مراقبون أن الموقف الرافض للخطة من قبل قيادات الحركة يعكس بالأساس سياسة المعارضة التقليدية التي تتبنى نهجاً مضاداً للحكومة في كل الملفات، أكثر مما يعكس موقفاً مبدئياً تجاه مضمون الخطة نفسها.
من جهة أخرى، برز صوت معتدل داخل الحركة تمثل في القيادي المقرب من عمران خان، فؤاد تشودري، الذي قال: “خطة ترامب مؤشر إيجابي على إمكانية وقف نزيف الدم في غزة، بشرط أن تُمارس ضغوط حقيقية على إسرائيل. لكن مع الأسف، البنود الحالية للخطة تخدم مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مصالح الشعب الفلسطيني”.

يتضح من مجمل مواقف قيادات حركة الإنصاف أن الحزب يقف على أرض سياسية غير مستقرة، تتأرجح بين الرفض المبدئي لموقف الحكومة والدعوة إلى قراءة براغماتية للخطة الأمريكية، في ظل غياب صوت زعيمه عمران خان الذي لا يزال يشكل العامل الحاسم في تحديد الاتجاه النهائي للحزب في القضايا الإقليمية والدولية.
خامسا: حزب الشعب الباكستاني: صمت محسوب وموقف برلماني حذر
رغم كون حزب الشعب الباكستاني أحد أركان الحكومة الائتلافية الحالية وحليفاً أساسياً لحزب شهباز شريف، فإن الحزب التزم الصمت حيال خطة ترامب بشأن غزة، ولم يصدر عنه أي تصريح رسمي أو موقف علني واضح تجاهها. ومع ذلك، برزت من داخل الحزب أصوات تطالب بضرورة طرح القضية للنقاش داخل البرلمان الباكستاني قبل إعلان أي موقف رسمي مؤيد أو معارض.
القيادية البارزة في الحزب، السيناتورة بلوشا خان، صرحت قائلة: “خطة ترامب للسلام لا يمكن الترحيب بها قبل مناقشتها وتداولها في البرلمان الباكستاني. نحن في حزب الشعب نرفض سياسة شهباز شريف وطريقة تجاوبه السريعة مع القوى الخارجية، وعلى رأسها البيت الأبيض، في قبول خططهم وسياساتهم”. وأضافت خلال مشاركتها في حلقة نقاش إعلامي مع الإعلامي حامد مير: “من المستحيل قيام دولة فلسطينية دون مشاركة حماس، فهي الممثل الحقيقي للقضية الفلسطينية”.

المفارقة اللافتة في هذا السياق أن الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري التزم الصمت التام تجاه خطة ترامب، بينما امتنع زعيم الحزب بلاول بوتو زرداري كذلك عن التعليق أو إبداء أي موقف رسمي، ما أثار تساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية حول حقيقة توجه الحزب إزاء هذا الملف الحساس.
ويُفهم من موقف الحزب وصمته العميق أن حزب الشعب الباكستاني لا يدعم الخطة، إذ لو كان يميل إلى تأييدها لما تردد في الإعلان عن ذلك، خصوصاً أن الحكومة الباكستانية سارعت إلى الترحيب بالخطة فور إعلانها. هذا الصمت، في نظر المراقبين، يعكس حسابات سياسية دقيقة داخل الحزب الذي يحاول الموازنة بين التزامه بالحكومة من جهة، وتمسكه بخطابه الشعبي والتاريخي الداعم لفلسطين من جهة أخرى.
سادسا: حركة المهاجرين المتحدة (جناح لندن MQM): رفض صريح وسخرية لاذعة من خطة ترامب
عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لإنهاء الحرب في غزة، خرج زعيم حركة المهاجرين المتحدة في لندن، السيد الطاف حسين، معلنًا رفضه القاطع للخطة، موجّهًا في الوقت ذاته انتقادات حادة لرئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف والقائد العسكري المشير عاصم منير.
وفي منشور له عبر منصة “إكس”، قال الطاف حسين: “قضية فلسطين يُطرح لها حل منذ البداية بما يسمى بحل الدولتين، لكن هذا الحل لم يُطبَّق قط، وتحت ضغط القوى العظمى جرى الالتفاف على الأمر. اليوم، الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفرض وقائع جديدة، والسعودية توقع اتفاقيات دفاعية، بينما يُقال للشعب الباكستاني إن هذه إنجازات تاريخية، وكأن البلاد ستفيض خيرات بعد هذه الاتفاقيات”.
وأضاف حسين: “لا داعي لمزيد من المسرحيات، فالأجدر أن نُعلن حكومة شهباز شريف بوضوح أننا نقبل بحل الدولتين، بل إننا عملياً قد أقررنا بوجود إسرائيل وسلمنا به. السؤال الجوهري هو: هل يمكن للسعودية أن تبرم اتفاقيات مع باكستان دون موافقة ترامب الكاملة؟”.
وأشار زعيم حركة المهاجرين المتحدة إلى أن ما يجري بعد الاتفاقيات الدفاعية السعودية يوضح أن هناك “صفقة كبرى” يقودها ترامب، تشمل كذلك أوروبا، حيث يجري تسويقها وكأنها هدية للشعوب وفتحٌ تاريخي، بينما هي في حقيقتها ترضية للغرب وخدمة لمصالح القوى الكبرى.
وتبدو تصريحات الطاف حسين، كما يصفها المراقبون، أقرب إلى السخرية السياسية منها إلى الموقف الدبلوماسي الجاد، إذ هاجم سياسات حكومة شهباز شريف تجاه إسرائيل، ووصف التقارب الباكستاني الأمريكي بأنه “علاقة عاطفية بين مراهقين دخلا في الحب لأول مرة، يسعى كل طرف فيها إلى المبالغة في إظهار مشاعره تجاه الآخر”.
ويُفسَّر هذا الخطاب اللاذع بأنه جزء من أسلوب الطاف حسين المعروف بنقده الحاد وسخريته السياسية التي غالبًا ما تثير الجدل، خصوصًا حين يتناول قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية الباكستانية وتحالفاتها الإقليمية والدولية.


سابعا: الرابطة الإسلامية الباكستانية (حزب نواز شريف)
في قراءة تحليلية لموقف حزب الرابطة الإسلامية – جناح نواز شريف – من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة، يتّضح أن الحزب، رغم وجوده في الحكم بقيادة شهباز شريف، يواجه انقسامًا داخليًا حيال الموقف من الخطة المثيرة للجدل.
فالحزب، المعروف تاريخيًا باهتمامه بقضايا الأمة الإسلامية منذ تأسيسه، يتبنى في مواقفه خارج السلطة نهجًا متوافقًا مع نبض الشارع الباكستاني، خصوصًا في القضايا العربية والإسلامية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ومن هذا المنطلق، يمكن الافتراض أن موقف الحزب في حال وجوده في صفوف المعارضة سيكون أكثر تشددًا ضد خطة ترامب.
وفي هذا السياق، يتخيّل شهباز شريف، بصفته زعيم المعارضة، في تغريدة مفترضة على منصة “إكس” قائلاً: “خطة ترامب ليست سوى محاولة لتدمير غزة وتجريد الفلسطينيين من أرضهم، وفرض إدارة غربية لاحتلال القطاع تحت مسمى (الإدارة المؤقتة). نرفض هذا المقترح جملة وتفصيلًا، ونطالب الحكومة الباكستانية بإعادة النظر في موقفها تجاه هذه الخطة، فدعمها يُعد خطأً جسيمًا ومخالفًا لتوجيهات مؤسس باكستان القائد الأعظم محمد علي جناح.”
ويؤكد على احتمالية الحزب لمعارضة خطة ترمب ما قام زعماء الحزب بمهاجمة ترمب عندما كان حزب عمران خان في الحكم. يقول القيادي البارز ووزير التنمية والتخطيط الحالي البروفيسور أحسن إقبال في تغريدة له على إكس قبل أربع سنوات، وبالتحديد يوم ٢٧ أبريل ٢٠٢١م: ” دونالد ترامب، و ناريندرا مودي، وعمران خان ” خلقوا من طينة واحدة ويفكرون بقالب واحد. وأضرّوا بالديمقراطية في بلدانهم من خلال “بناء قواعد انتخابية قائمة على الكراهية، والعمل على تعميق الانقسامات داخل مجتمعاتهم”.

ورغم تمسك الحكومة الحالية بخطاب أكثر دبلوماسية، برزت أصوات معارضة من داخل الحزب ذاته، أبرزهم الوزير الفيدرالي الأسبق والقيادي البارز خواجه سعد رفيق، الذي أكّد في تصريحات صحفية أن خطة ترامب تمثل انحيازًا سافرًا لإسرائيل، مشددًا على أن أي تأييد لها “
وأكد سعد رفيق، أن باكستان ليست بصدد التفكير في الاعتراف بإسرائيل أو الانضمام إلى اتفاقات أبراهام، مشددًا على أن تبادل الاتهامات في هذه المرحلة الحساسة يُعدّ تصرفًا غير مسؤول ولا يخدم المصلحة الوطنية.
وأوضح خواجة سعد في تصريح صحفي أن الشعب الباكستاني لا يمكن أن يغفر لإسرائيل، التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن المجازر بحق الشعب الفلسطيني وضلوعها في اعتداءات إرهابية استهدفت دولًا إسلامية، مشيرًا إلى أن أي محاولة لتطبيع العلاقات مع تل أبيب ستكون خيانة لمبادئ مؤسس باكستان محمد علي جناح ولموقف الأمة الإسلامية.
وتطرق القيادي في حزب نواز شريف إلى خطة السلام الخاصة بغزة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واصفًا إياها بأنها أحادية ومنحازة وغامضة، إذ تميل بوضوح لصالح إسرائيل، دون أن تتضمن جدولًا زمنيًا لانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. وأكد خواجا أن وقف إطلاق النار الفوري يجب أن يكون الأولوية القصوى قبل أي حديث عن ترتيبات سياسية أو أمنية جديدة.
وأضاف أن دور الأمم المتحدة في الاتفاق المقترح يثير الكثير من التساؤلات، في ظل غموض يكتنف طبيعة مشاركة قوات حفظ السلام من الدول الإسلامية، ما يجعل الخطة أقرب إلى فرض أمر واقع جديد يخدم مصالح الاحتلال.
واختتم سعد رفيق تصريحه بالتأكيد على أن الرئيس الأميركي ترامب، المعروف بتحالفه الصريح مع إسرائيل، يُعدّ طرفًا في النزاع لا وسيطًا نزيهًا، وكان الأجدر به أن يلعب دور الضامن لا القائد في هذا المشروع، لافتًا إلى أن اختيار توني بلير ضمن الفريق الدولي المشرف على الخطة يُعدّ مؤشرًا سلبيًا، بالنظر إلى سجله الجدلي في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ودوره في دعم الحروب الغربية على المنطقة.
بهذا، يُظهر المشهد السياسي داخل حزب الرابطة الإسلامية مزيجًا من الانضباط الحكومي والحس الشعبي القومي، في مقاربة تحاول الموازنة بين مقتضيات الحكم والتزامات التاريخ والمبادئ الإسلامية التي تشكّل جوهر الوعي السياسي الباكستاني.

ثامنا: الدبلوماسيون وأصحاب الرأي والإعلاميون:
يُعدّ الدبلوماسيون وأصحاب الرأي والإعلاميون جزءًا أساسيًا من الرأي العام في باكستان، فهم لا يقلّون أهمية عن الساسة ورجال الدين في تشكيل موقف الشارع الباكستاني من القضايا الإقليمية والدولية. وفي ملف الخطة الترامبية، برز تباين واضح بين موقف وزارة الخارجية الباكستانية التي رحّبت بالخطة، وبين آراء الدبلوماسيين الباكستانيين الذين عبّر معظمهم عن رفض قاطع لها، معتبرين أنها تهدف إلى تدمير غزة ومحو فلسطين وإذلال المسلمين.
وقال المتحدث الأسبق باسم وزارة الخارجية الباكستانية، السفير عبدالباسط، إن خطة ترامب تمثل “استسلامًا كاملًا من العالم الإسلامي”، إذ لم يعد بالإمكان حتى مجرد الإشارة إلى قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. وأضاف أن انضمام باكستان إلى اتفاقيات أبراهام قبل قيام الدولة الفلسطينية سيكون خطأً جسيمًا، مؤكدًا أن تجاوز هذا الشرط يُفرغ أي تسوية من مضمونها ويمثل رضوخًا لإملاءات لا تخدم القضية الفلسطينية.

وأوضح عبدالباسط أن على باكستان أن تفكر مليًا، بل ثلاث مرات، قبل الموافقة على إرسال قواتها إلى غزة، مشيرًا إلى أن ما تخطط له الولايات المتحدة وإسرائيل هو “دفن دولة فلسطين”. وأكد أن إرسال قوات باكستانية إلى أرضٍ ما زالت تحت الاحتلال الأجنبي سيظل محفوفًا بمخاطر قانونية وأمنية جسيمة.

ومع ذلك، رأى محللون أن موقف السفير عبدالباسط يعكس قراءة جزئية للمشهد، إذ إن وجود قوات باكستانية — بوصفها من أقوى الجيوش الإسلامية — في غزة يمكن أن يشكل عنصر طمأنينة للفلسطينيين، لا تهديدًا لهم. كما يرى مركز “إندس للدراسات الباكستانية” أن كثيرًا من الدبلوماسيين الباكستانيين يفتقرون إلى إدراك كافٍ لتفاصيل السياسات الخليجية وتعقيدات المشهد في الشرق الأوسط.
وفي برنامج إعلامي شهير يقدمه الصحافي حامد مير، صرّحت السفيرة الباكستانية السابقة لدى الأمم المتحدة الدكتورة مليحة لودهي قائلة: “خطة السلام التي طرحها ترامب لا يمكن أن تتقدم دون موافقة حركة حماس، ولا يمكن إبعاد دور حماس عن الإدارة المؤقتة لقطاع غزة”.

وأكدت أن الخطة تخدم مصالح دولة الاحتلال ولا تخدم المصالح الفلسطينية، مشيرة إلى أن ترحيب رئيس الوزراء شهباز شريف المتسرع بالخطة “أوقع الدولة الباكستانية في فخ سياسي”، لأنه لم يطّلع على تفاصيلها بشكل كافٍ قبل الترحيب بها، ووصفت ذلك بـ”الخطأ الفادح”. وأضافت لودهي أن خطة ترامب ليست سوى “إملاءات إسرائيلية” تتعارض مع المصالح الفلسطينية وتجعل من الصعب القبول بها كمسار لتحقيق سلام عادل.

وفي سياق متصل، قال السيناتور مشاهد حسين سيد، الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، إن خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط “تحمل بارقة أمل محدودة”، لكنها في الوقت نفسه تنطوي على ثغرات جوهرية تتطلب تعديلًا عاجلًا لضمان تحقيق سلام حقيقي ودائم.
وأوضح السيناتور حسين أن من الإيجابيات الواردة في الخطة:
- وقف المجازر وعمليات التطهير العرقي والإجلاء القسري ضد الفلسطينيين.
- إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف أي مساعٍ لضمّ قطاع غزة.
- السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر.
- الإقرار بمبدأ حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم.

غير أن الخطة، كما قال، تتضمن ثلاث سلبيات خطيرة:
أولًا، تكريس التقسيم الفعلي لفلسطين عبر فصل غزة عن الضفة الغربية.
ثانيًا، إشراك توني بلير في العملية، وهو من دعم غزو العراق عام 2003، واصفًا الأمر بأنه يشبه “تعيين هيملر لإدارة ألمانيا بعد الحرب”.
ثالثًا، تجاوز القيادة الفلسطينية ممثلة في حركتي حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية، معتبرًا ذلك “كمشهد مسرحي بلا بطله، مثل هاملت بلا أمير الدنمارك”.
وختم السيناتور مشاهد حسين سيد تصريحه بالتأكيد على أن الخطة تحتاج إلى تعديل جوهري يضمن تحديد جدول زمني لإقامة دولة فلسطينية موحدة عاصمتها القدس بحلول عام 2028، أي قبل انتهاء الولاية الرئاسية للرئيس ترامب.
وفي مقال صحفي نشره الإعلامي المعروف حامد مير في صحيفة جانغ اليومية بتاريخ 2 أكتوبر 2025، أعلن رفضه القاطع لخطة ترامب، قائلاً: “قضية فلسطين لا يمكن أن تكون بيد ترامب أو توني بلير. الحل الحقيقي يبدأ من تحرير المسجد الأقصى من قبضة الاحتلال الإسرائيلي. فإذا لم نتمكن من إنهاء هذا الاحتلال، فعلينا على الأقل أن نقف بصدق مع أبناء غزة ومع الرؤية التي طرحها القائد الأعظم محمد علي جناح، لا أن نخونها”.

تشير مواقف عدد من الدبلوماسيين الباكستانيين البارزين، مثل السفيرة مليحة لودهي والسفير عبدالباسط، إلى وجود تباين واضح بين توجهات وزارة الخارجية الباكستانية الرسمية ومواقف ممثليها في السلك الدبلوماسي. فبينما تتبنى الخارجية خطابًا أكثر انفتاحًا ومرونة في بعض الملفات الدولية، يعبر الدبلوماسيون عن مواقف شخصية حادة ترفض ما تعتبره تنازلات على حساب القضايا الإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
هذا التباين كشف عن فجوة فكرية وسياسية بين صانعي القرار في وزارة الخارجية والدبلوماسيين الذين يمثلون باكستان في الخارج، وكأن هؤلاء الدبلوماسيين –كما وصف رئيس مركز إندس الدكتور عبدالغني أنجم – يرتدون البنطال الرسمي لمناصبهم دون أن يحملوا الرؤية الرسمية للدولة، في إشارة إلى غياب التناغم بين الأداء الدبلوماسي والسياسة العليا للحكومة.
وفي هذا السياق، تحدثت تسريبات صحفية غير مؤكدة عن وقوع مشادة حادة بين وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار ووزير الدفاع خواجا آصف، وذلك عقب عودة الوفد الباكستاني من اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة. ووفقًا للمصادر ذاتها، تطور الخلاف حول موقف باكستان من إسرائيل والقضية الفلسطينية إلى اشتباك بالأيدي بين الوزيرين السابقين داخل مقر إقامة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف في العاصمة البريطانية لندن.
ويُظهر هذا الحادث، وفق مراقبين سياسيين، حجم الانقسام داخل أروقة صنع القرار الباكستاني بشأن التعاطي مع ملف التطبيع والعلاقات الإسرائيلية، مما يعكس غياب رؤية موحدة أو استراتيجية واضحة تجاه القضايا الإقليمية الحساسة، وعلى رأسها مستقبل الموقف الباكستاني من القضية الفلسطينية.
