المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
تحليلاتسياسةقراءات أمنيةمقالات

استدعاء الماضي العنيف: دعوة طاهر أشرفي للجهاد تشعل غضبًا سياسيًا وشعبيًا في باكستان

إعداد – قسم المتابعات بمركز اندس للدراسات الباكستانية إسلام آباد –

أثار تصريح الشيخ طاهر أشرفي، رئيس مجلس علماء باكستان، موجة واسعة من الجدل والانتقادات في الأوساط السياسية والدينية والشعبية، عقب دعوته إلى استخدام طلاب المدارس الدينية في الجهاد ضد ما وصفهم بأعداء باكستان.
وجاءت هذه التصريحات خلال الملتقى الوطني لعلماء ومشايخ باكستان الذي عُقد في إسلام آباد، بحضور رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف وقائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير، حيث أعلن أشرفي مبايعته للجنرال عاصم منير، مؤكّدًا استعداده للخروج في الجهاد.
وقوبلت هذه الدعوة بانتقادات حادّة داخل باكستان، إذ اعتبر خبراء ومراقبون أن هذا الخطاب يعيد إلى الأذهان دعوات الجماعات الدينية المتشددة التي سبق أن زجّت بطلاب المدارس الدينية في ما عُرف بالجهاد الأفغاني، سواء خلال الحرب ضد الاتحاد السوفييتي أو لاحقًا خلال الصراع مع الولايات المتحدة.
وأشار منتقدو هذه التصريحات إلى أن التجربة السابقة خلّفت تداعيات أمنية واجتماعية خطيرة ما زالت باكستان تعاني آثارها حتى اليوم، محذرين من أن إعادة إنتاج هذا الخطاب قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر والعنف تحت غطاء ديني.
وسبق أن صرّح وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف بأن باكستان، قبل بروز موجات التطرّف بالشكل الذي تشهده اليوم، لم تكن تعاني من هذه الظاهرة، موضحًا أن ما أُطلق عليه آنذاك “الجهاد” في أفغانستان جاء في إطار تحالف دولي قادته الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي، وليس بوصفه معركة إسلامية أو باكستانية خالصة.
وأضاف خواجا أن اندفاع الإسلاميين المتشددين أدخل البلاد في حرب لم تكن طرفًا فيها ولا مصلحة لها بها.

يقول الكاتب الباكستاني أمين الله: إن بعض رجال الدين يوظفون المدارس الدينية لتحقيق مكاسب شخصية، عبر دفع أبناء الفقراء إلى ساحات القتال تحت شعار الجهاد، في حين يقيمون هم في أفخم الفنادق والفيلات بعيدًا عن أي تبعات.
ويشدد امين على ضرورة حظر المتاجرة بالدين ووضع حدّ لاستغلال المشاعر الدينية لخدمة مصالح ضيقة، مؤكدًا أن باكستان دفعت ثمنًا باهظًا بسبب هذه الجماعات الجهادية، ولم تعد تحتمل مزيدًا من الدمار على أيدي من وصفهم بـ”تجار الدين”.

ومن جهته يقول غوهر رحمان:
في أوروبا، بدأ الناس ينفرون من المسيحية عندما خضعت بالكامل لهيمنة الكنيسة ورجال الدين، وهي المرحلة التي عُرفت في التاريخ باسم العصور المظلمة. ومن رحم تلك الظلمة انطلقت حركات فكرية كبرى مثل عصر التنوير وعصر النهضة، التي مثّلت ثورة على احتكار الدين وتوظيفه لقمع العقول.
وللأسف، يواجه عالمنا الإسلامي اليوم ظاهرة مشابهة، حيث يسعى تيار معيّن إلى تقديم الإسلام وفق تصوّراته الخاصة، رغم أن هذا الطرح لا يمتّ بصلة حقيقية إلى جوهر التعاليم الإسلامية. بينما الهدف الحقيقي هو فرض الوصاية على عقائد الناس والتحكّم في وعيهم، واستخدام الدين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
غير أن هذا التيار يعيش حالة انحسار طبيعي، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي والأخلاقي. ومن هنا، فإن الإكثار من تضخيم هذه الظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنح هذا النمط من الفكر الديني المتشدّد مساحة أكبر مما يستحق، لا يخدم إلا استمراره، في حين أن تجاهله وفضح محدودية تأثيره كفيل بتقليص حضوره في الوعي العام.
ويقول ياسر جانجوعه: إن عدد طلاب المدارس الدينية في باكستان يبلغ نحو ثلاثة ملايين طالب، محذرًا من أن الدعوات إلى زجّهم في ما يُسمّى بالجهاد، كما ورد على لسان طاهر أشرفي، تعيد إلى الأذهان التجربة المأساوية ذاتها التي عاشتها هذه المدارس خلال فترة الجهاد الأفغاني.
وأوضح أن آلاف الطلاب الباكستانيين قُتلوا آنذاك بعد دفعهم إلى ساحات القتال، قبل أن تكتشف عائلاتهم، ولا سيما أمهات من قُدّموا كـ”شهداء”، أن ما جرى لم يكن سوى خدعة استُخدم فيها الدين غطاءً لأهداف أخرى.

ويقول الدكتور عرفان شاكر إن الشيخ طاهر أشرفي لا يمتلك فكرًا مستقلاً، معتبرًا أنه يتلوّن وفق المصالح الشخصية وتبدّل موازين القوة السياسية.
وأوضح أن أشرفي كان من أبرز الداعمين لعمران خان، وأسهم في الترويج لرؤية تشكيل تحالف إسلامي بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغم كونه أقرب سياسيًا إلى المملكة العربية السعودية. كما أنه شغل منصب المستشار الخاص للشؤون الدينية لرئيس الوزراء الأسبق عمران خان.
وأشار شاكر إلى أن أشرفي ذهب آنذاك إلى حدّ التصريح بأن من يهاجم عمران خان يُعدّ خائنًا لدينه ووطنه. غير أنه، وبعد الإطاحة بعمران خان، بدأ أشرفي — بحسب وصفه — بتغيير مواقفه وينقلب عليه، مهاجمًا إياه وذلك سعيًا لتحقيق مكاسب شخصية في المشهد السياسي الجديد.

لماذا يتعرّض الشيخ طاهر أشرفي لهذا الهجوم تحديدًا؟

تُعدّ شخصية الشيخ طاهر أشرفي من أكثر الشخصيات الدينية إثارةً للجدل في باكستان، نظرًا لما يُؤخذ عليه من تقلبات حادة في المواقف والولاءات السياسية، حيث يغيّر انتماءه من حزب إلى آخر وفق ما تمليه المصالح الشخصية، دون ثبات واضح في الرؤية أو الموقف.
ففي مرحلةٍ ما، يظهر مدافعًا عن الشيخ سميع الحق، المعروف بأنه أحد أبرز منظّري الفكر الطالباني، ثم نجده في مرحلة أخرى متحالفًا مع الجنرال برويز مشرف الذي خاض مواجهة مباشرة مع هذا الفكر. كما دعم عمران خان في فترة سابقة، قبل أن يحوّل ولاءه سريعًا إلى شهباز شريف، مع ترجيحات واسعة بإعلانه مجددًا الولاء لعمران خان في المستقبل. هذه التحولات المتكررة جعلت منه شخصية غير مرغوب فيها لدى غالبية الأحزاب السياسية والدينية في البلاد.
وتختزل رؤية الشيخ طاهر أشرفي، وفق منتقديه، في مبدأ واحد: التمسّك القسري بكل ما ترتبط به المصلحة الشخصية. ومن هذا المنطلق، يرى كثيرون أن الهجوم الشعبي اللاذع عليه يُعدّ نتيجة طبيعية لهذا النهج.

لماذا لا يدافع أحد عن الشيخ طاهر أشرفي؟

رغم نجاحه سابقًا في الوصول إلى منصب مستشار رئيس الوزراء الأسبق عمران خان، وما رافق ذلك من شعبية ودعم وتضامن واسع، إلا أنه سرعان ما عاد ليصبح شخصية غير مرحّب بها. فهو لم يحظَ بأي قبول لدى حكومة شهباز شريف، بخلاف ما كان عليه الحال في عهد عمران خان، وذلك استنادًا إلى تجارب سابقة غير إيجابية بينه وبين شهباز شريف وعدد من وزرائه.
وتكمن الإشكالية الأعمق في تبنّي الشيخ طاهر أشرفي ما يُوصف بسياسة الفرد الواحد، حيث يقدّم نفسه بصفته رئيس “مجلس علماء باكستان”، وهو اسم يوحي بأنه الممثل الرسمي لكافة علماء البلاد، في حين أن الواقع يشير إلى أن هذا المجلس لا يضمّ سوى طاهر أشرفي وأحد عشر عالمًا غير معروفين على نطاق واسع.
وفي المقابل، فإن كبار العلماء في باكستان، من أمثال المفتي تقي عثماني، والشيخ فضل الرحمن، والمفتي عبد الرحيم، والمفتي منيب الرحمن، والشيخ طارق جميل، والشيخ العلامة ابتسام إلهي، والشيخ الحافظ عبد الكريم وغيرهم، لا تربطهم أي صلة بهذا المجلس.
وبناءً عليه، فإن غياب دعم هؤلاء العلماء وأتباعهم يجعل من الشيخ طاهر أشرفي شخصية معزولة دينيًا ومنبوذة اجتماعيًا، وهو ما يفسّر غياب أي دفاع حقيقي عنه في خضم الجدل المتصاعد حوله.

ما موقف الشيخ طاهر أشرفي من هذا الهجوم؟

في تصريحات إعلامية أعقبت موجة الانتقادات الواسعة التي تعرّض لها، قال الشيخ طاهر أشرفي إن الهجوم الأخير عليه تقوده فئات من أنصار عمران خان، إلى جانب بعض العناصر المحسوبة على الشيخ فضل الرحمن، واصفًا هذه الحملة بأنها غير مبرّرة.
وفي مؤتمر صحفي عقده في مدينة فيصل آباد، دافع أشرفي عن مواقفه، مؤكدًا أن دعوته إلى الجهاد لا تتعارض مع روح الشريعة الإسلامية، مستشهدًا بإعلان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الجهاد ضد مانعي الزكاة، ومعتبرًا أن هذا النموذج يمكن إسقاطه على المجتمعات المعاصرة وفق فهمه.
وعند سؤاله عن مسألة ولائه السياسي وتقاربه مع عمران خان، أوضح أشرفي أنه يؤيد عمران خان في كل ما يراه خدمةً للأمة الإسلامية، مشيرًا على وجه الخصوص إلى مبادرته في الأمم المتحدة لاقتراح تخصيص يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، واصفًا إياه بـ”المجاهد من هذا الجانب”.
وفي ردّه على سؤال بشأن شرعية منح المسؤولين في الدولة حصانة مدى الحياة، قال الشيخ طاهر أشرفي إنه لا يؤيد هذا التوجّه، معتبرًا أنه مخالف للشريعة الإسلامية. غير أنه عاد في التصريح ذاته ليؤكد أنه لا يدعم محاسبة المسؤولين، في موقف اعتبره مراقبون تناقضًا واضحًا أثار مزيدًا من الجدل حول مواقفه.
ويرى منتقدون أن رفض محاسبة المسؤولين يتعارض صراحةً مع القانون وأحكام الشريعة الإسلامية معًا، اللذين يؤكدان مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب. ويطرح هذا الموقف تساؤلات جدية حول مدى أهلية أشرفي لادعاء تمثيل العلماء، في وقت يعارض فيه أحد أهم الأسس التي يقوم عليها العدل في الدولة، وهو محاسبة المسؤولين عن أفعالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى