الانضباط الاستراتيجي الباكستاني في عيون العالم

كتبه/ د. عبدالغني أنجم (رئيس مركز إندس للدراسات الباكستانية).
في بيئة إقليمية مشبعة بالتوتر، حيث يمتلك طرفا النزاع قدرات نووية معلنة، جاءت عملية الـ “بنيان مرصوص” لتشكّل أنموذجا ميدانيا فريدا في كيفية استخدام القوة العسكرية دون الانزلاق إلى دوامة التصعيد النووي، مع الحفاظ على الشرعية الدولية والانضباط العملياتي.
لعب الردع النووي الباكستاني من منظور إستراتيجي دورا محوريا في تحجيم الطموحات العدوانية للعدو، وكبح جماح أي تفكير بالتصعيد غير المحسوب. لكن اللافت للنظر أن باكستان لم تلوّح باستخدام السلاح النووي، رغم فداحة الاعتداءات الهندية على أراضيها ومواطنيها. هذا السلوك يعكس نضجا استراتيجيا عميقا وحرصا شديدا على ألا تنزلق الأزمة إلى صراع شامل يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
المجتمع الدولي، وخصوصا العواصم المؤثرة وصنّاع القرار في الأمم المتحدة ومجالس الأمن والدفاع، تابعوا تفاصيل التصعيد العسكري بين القطبين النوويين في آسيا عن كثب. وقد لفت أنظارهم أمران:
الأول: دقة العمليات العسكرية الباكستانية، التي استهدفت حصريا منشآت عسكرية ومصادر تهديد، دون المساس بالبنية التحتية المدنية أو السكان.
الثاني: التزام باكستان بالقانون الدولي الإنساني، من حيث انتقاء الأهداف، والاستخدام المتناسب للقوة، والتدرج في الرد العسكري، مع احتفاظها بحقها الكامل في الدفاع عن النفس. هذه المعايير دفعت العديد من الجهات الدولية إلى النظر إلى باكستان على أنها قوة مسؤولة، تتصرف بمهنية عالية، وتُظهر فهما عميقا لحساسية موقعها الجيوسياسي وخطورة الصراع مع خصم نووي.
في مقابل التصعيد الإعلامي الهندي، واستخدام أدوات التضليل والخطاب العنصري، حافظت باكستان على خطاب متزن وملتزم، يركز على الحقائق، ويُظهر الحق المشروع في الدفاع عن السيادة والكرامة الوطنية. لم تُطلق باكستان يدها العسكرية إلا بعد استنفاد السبل السياسية، وبعد أن استُهدفت أراضيها ومدنها الآمنة، وراح ضحية العدوان الأبرياء من النساء والأطفال. حتى حين ردّت، فعلت ذلك ضمن إطار زمني محدد، بأهداف محددة، وبأسلوب عملياتي منضبط، ما يضفي على العملية شرعية دفاعية كاملة أمام القانون الدولي.
ينظر المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الكبرى والمؤسسات الأممية، إلى هذا النوع من الانضباط العملياتي كأحد أبرز مؤشرات احترافية الجيوش الحديثة. فالقدرة على تحقيق أهداف عسكرية مؤثرة دون الانجرار إلى فوضى شاملة أو تصعيد غير محسوب، تُعَدّ علامة تميّز للقوات المسلحة المحترفة والمُنظَّمة.
أثبتت باكستان من خلال حملة الـ “بنيان مرصوص” أنها دولة مسؤولة، نوويا وعسكريا ودبلوماسيا، تتصرف وفق ضوابط القانون الدولي الإنساني، وتتمتع بقدرة عالية على ضبط النفس التكتيكي، والتصعيد المدروس، والردع الرادع. هذا الأداء عزّز من صورتها الدولية، ورسّخ قناعات عالمية بأن باكستان، رغم امتلاكها لأدوات الردع الشامل، لا تلجأ إليها إلا حين يُفرَض عليها القتال. دفاعا عن أرضها وكرامتها وشعبها.
