سيد محسن نقوي؛ من زمالة CNN إلى الحاكم الفعلي لباكستان-

إعداد: وحدة الشؤون السياسية بمركز إندس للدراسات الباكستانية-
في بلد تعصف به الأزمات السياسية والانقسامات الطائفية، يبرز اسم محسن نقوي كأحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل والنفوذ في باكستان اليوم. من إعلامي مغمور إلى وزير داخلية، ومن دون أي انتماء حزبي أو رصيد انتخابي، شقّ نقوي طريقه إلى قلب السلطة، ليصبح — بحسب مراقبين — “الحاكم الفعلي” الذي يتحكم بخيوط المشهد من خلف الكواليس.
من زمالة CNN إلى إمبراطورية إعلامية مثيرة للجدل:
بدأت رحلة محسن نقوي في عالم الصحافة من بوابة دولية، حيث اختير مراسلاً لشبكة CNN ضمن “برنامج الزمالة الدولية” في بداية مسيرته المهنية. وسرعان ما انتقل إلى تأسيس مجموعة إعلامية ضخمة، تضم ست قنوات فضائية من أبرزها:
* 24 HD قناة
* قناة روهي الفضائية
* CT 41 أخبار
* C44
* قناة 21
* CT 42
وتتهم هذه القنوات بالترويج لخطاب طائفي مؤيد للطائفة الشيعية، ونشر مواد مسيئة للصحابة والخلفاء حيث تم تسجيل بلاغات قضائية في المحاكم الباكستانية ضد القنوات المذكورة. إضافة إلى قيامها بتضخيم السرديات المعادية لبعض الدول الخليجية، لا سيما المملكة العربية السعودية، من خلال بث مواد مفبركة، مثل تلك التي صوّرت قصف الحوثيين لمصفاة أرامكو عام 2019 على أنه ” نصر تاريخي للحوثيين وخسارة استراتيجية مهينة للسعودية”.
جذور دينية وعلاقات عائلية نافذة:
النفوذ غير المسبوق الذي يتمتع به نقوي لا يمكن فصله عن خلفيته العائلية. ولد محسن نقوي لأب شيعي اثنى عشري، وكان والده زعيما شيعيا يدير مركزا تعليميا في بنجاب. وتشير تقارير إلى أنه متزوج من ابنة زعيم شيعي بارز شغل منصب المفتش العام لشرطة البنجاب في التسعينات، قبل أن يُغتال على يد تنظيم “لشكر جنغوي” السني المتشدد، في واحدة من أكثر الحوادث دموية في سياق الصراع الطائفي بباكستان.
كما تحدثت مصادر غير مؤكدة عن أن زوجة الجنرال عاصم منير، القائد الحالي للجيش الباكستاني، تنتمي لعائلة محسن نقوي، مما يعزز فرضية أن صعوده السريع ما هو إلا نتاج تحالف عائلي – أمني غير معلن.
صعود سياسي غير تقليدي؛ من الإعلام إلى السلطة:
بالرغم من افتقاره لأي تجربة سياسية سابقة أو انتخابية تشريعية، وصل نقوي فجأة إلى سدة الحكم، حيث تم تعيينه رئيسًا لحكومة إقليم البنجاب المؤقتة عام 2023، في خطوة أثارت انتقادات واسعة بشأن شرعية التعيين ودوافعه الخفية.
لكن اللافت كان ما تلاها، حيث عُيّن رئيسًا للجنة الكريكيت الباكستانية، وهو منصب يتمتع بثقل اجتماعي وإعلامي كبير في بلد يعتبر فيه الكريكيت رياضة وطنية ذات شعبية هائلة. ثم أصبح وزيرًا للداخلية بدون أي تفويض انتخابي، تلاها انتخابه المفاجئ كعضو في مجلس الشيوخ، ثم تعيينه مستشارًا خاصًا لرئيس الوزراء لشؤون مكافحة المخدرات.
هكذا، أصبح نقوي يجمع بين الأمن، والرياضة، والبرلمان، ومكافحة المخدرات، في توليفة سلطوية قلّ نظيرها، جعلت من اسمه مرادفًا لعبارة “دولة داخل الدولة”.
حفل ترمب… وغياب الوزراء:
في مشهد فُسّر على أنه إهانة للمؤسسات الدستورية المدنية، حضر محسن نقوي حفلة العشاء الرسمية التي أقامها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على شرف الجنرال عاصم منير الشهر الماضي، وسط غياب تام لوزيري الخارجية والدفاع الباكستانيبن، ما عمّق الشكوك بأن الرجل بات يتمتع بصلاحيات غير معلنة تتجاوز دوره الرسمي. وكان من المفترض ان يحضر الحفل وزيرا الخارجية والدفاع؛ وتؤكد مصادر مطلعة أن وزير الخارجية رفض الحضور للحفل اعتراضا على حضور وزير الداخلية الذي لاعلاقة له بهذا الحفل الدولي الرسمي.
النظام الهجين: ديمقراطية في الظاهر… أمنية في العمق:
في تصريحاته الأخيرة أكد وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف أن النظام السياسي في البلاد “نظام هجين”، في تلميح صريح إلى تغوّل الأجهزة غير المنتخبة في صناعة القرار، ووجود شخصيات مثل محسن نقوي في مواقع متقدمة دون المرور عبر الصندوق الانتخابي. ويعزز هذا الوصف الحديث المتنامي عن دور الدولة العميقة في باكستان، حيث تحكم التحالفات الأمنية – الإعلامية – الطائفية من خلف ستار الديمقراطية الشكلية.
تساؤلات حول المستقبل:
في ظل الأزمة الاقتصادية، والانقسام الطائفي، وتدهور ثقة الشارع في المؤسسات المنتخبة، يبرز سؤال مصيري: هل يمثل محسن نقوي ملامح نموذج سلطوي جديد في باكستان؟ أم أنه واجهة لتحالفات أوسع تخترق بنية الدولة المدنية باسم الأمن والاستقرار؟
ما بين الصعود الغامض والنفوذ اللامحدود، يظل محسن نقوي ظاهرة سياسية باكستانية تحتاج إلى تفسير… وربما إلى محاسبة.
