مقال رأيمقالات

هل قدمت باكستان دعما عسكريا لإيران في مواجهة إسرائيل؟

كتبه/ د. عبدالغني أنجم ( رئيس مركز إندس للدراسات الباكستانية)-
في ظل التصعيد الإسرائيلي- الإيراني؛ انتشرت أخبار وتصريحات مزيفة تفيد بأن باكستان قدمت دعما عسكريا واستخباراتيا لطهران خلال استهداف إسرائيل للأراضي الإيرانية. وأكثر هذه الأخبار المزيفة انتشارا خلال ٢٤ ساعة الماضية؛ هي أخبار متداولة حول وصول دفعة من الصواريخ الباكستانية إلى طهران لاستهداف إسرائيل. والخبر المزيف الثاني تم تداوله على نطاق واسع؛ جاء في صورة تصريحات منسوبة لمسؤولين باكستانيين مفاده أن إسلام آباد أبلغت واشنطن أنها ستشارك في الحملة العسكرية الإيرانية ضد إسرائيل في حال قيام الأخيرة باستهداف إيران بالأسلحة النووية. وقد تم تداول أخبار مزيفة أخرى، منها بيان منسوب لوزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف أن باكستان قدمت دعما استخباراتيا لطهران حول الهجوم الإسرائيلي. وقد قام بعض النشطاء بتداول خبر مع صورة قديمة لمقاتلة حربية يفيد أن باكستان أسقطت طائرة حربية إسرائيلية لاختراقها المجال الجوي الباكستاني خلال استهدافها منشآت نووية إيرانية.
وهناك نوع آخر من التصريحات المنتشرة وهي ليست من المزيفة بل تم تداولها من أجل تحقيق أهداف ومصالح مختلفة لكل طرف يتداوله؛ وهي تصريحات لنتنياهو في مقابلة تلفزيونية حول تأكيده على استخدام القوة لحرمان طهران من امتلاك السلاح النووي، وقد تخلل اللقاء سؤال الإعلامية المضيفة حول برنامج باكستان النووي فأجاب نتنياهو: “نعم، باكستان أيضا تشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل، وسنحاول استهداف الأسلحة النووية الباكستانية إذا تطلبت الأمور ذلك.
لماذا هذه الأخبار المزيفة انتشرت في هذا التوقيت. ومن الذي يقف وراء هذه الأكاذيب؟ وما هي النتائج المحتملة لهذه الأخبار المزيفة؟ هنا نقف قليلا على مصادر هذه الأخبار لنصل إلى الأهداف والنتائج.
مصادر هذه الأخبار:
أولا: الهند وراء هذه الإشاعات:
يشتهر الهنود في نشر الإشاعات والاحتيالات المعلوماتية والنصب الإلكتروني، ولم تسلم من احتيالاتهم عملاق التكنولوجيا وكبريات الشركات التقنية. وقضية الاحتيال الهندي الأخير على شركة مايكروسوفت عملاق التكنولوجيا الأمريكي معروفة لدى الجميع؛ لا حاجة للشرح والتفصيل. وتشير المعلومات المتوفرة والبيانات الرسمية حول قضايا الاحتيال المعلوماتي والنصب الإلكتروني في الخليج؛ أن أغلبية المتورطين في هذه القضايا هم الهنود المقيمون في الإمارات. وهذا يؤكد على جينية الهنود الاحتيالية وانتشار ثقافة التزييف لدى الفصائل الهندية.
لماذا تنشر الهنود هذه الأكاذيب الإعلامية عن باكستان؟
لاتخفى على أحد الخلافات والنزاعات الدائرة بين الهند وباكستان؛ وقد دخلت كلتا الدولتين في مواجهة عسكرية الشهر الماضي، وإلى الآن – رغم الهدنة- لم تهدأ الأوضاع لدى الجانبين تماما، فكل واحد يبحث عن ملف للإثارة والتصعيد الإعلامي. ففي التصعيد الإسرائيلي الإيراني وجدت الهند فرصة ثمينة لإثارة الفوضى وخلق بيئة معادية لباكستان على الساحة الدولية؛ يتمثل في جر باكستان إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل. فالهند متهمة بالوقوف إلى جانب إسرائيل. وقد اتهمت إسلام آباد الهند أنها تلقت دعما عسكريا من إسرائيل خلال التصعيد العسكري الأخير ضد باكستان. ومع ذلك لا توجد مؤشرات على حدوث مواجهة مباشرة بين باكستان وإسرائيل مستقبلا. فإسرائيل لم تدلي بأي تصريحات رسمية حول وقوفها إلى جانب نيودلهي ضد إسلام آباد. ولذلك تحاول الهند أن تقنع نتنياهو أن باكستان ضد إسرائيل، وأنها قدمت صواريخ باليستية لطهران التي تم بها استهداف تل أبيب. وإذا نجحت الهند في إقناع إسرائيل حول هذه الرواية فستقوم إسرائيل حتما بمهاجمة الأراضي الباكستانية؛ لأنه سبق أن أكد نتنياهو في مؤتمر صحفي أن إسرائيل ستهاجم الدول التي تدعم إيران ضد المصالح الإسرائيلية. فنيودلهي تحاول تصنيف باكستان ضمن الدول التي قدمت دعما عسكريا واستخباراتيا لطهران؛ تمهيدا لفتح مجال أمام نتنياهو لقصف الأراضي الباكستانية.
ومن أجل ترسيخ هذه الرواية الهندية الكاذبة؛ تركزت جهود الهند على نشر إشاعات إعلامية حول التنسيق العسكري والاستخباراتي بين إسلام آباد وطهران. والمتتبع لمصادر هذه الأخبار المزيفة يدرك جيدا أنها خرجت من وسائل إعلام هندية أولا وانتشرت فيما بعد على القنوات والشبكات الإعلامية الدولية.
ثانيا: وسائل الإعلام الروسية والصينية:
تعتبر روسيا والصين من أكبر المناهضين للهيمنة الأمريكية على النظام العالمي. فهما يبحثان عن أصغر سبب لتشكيل رأي مضاد للأمريكان حول العالم. ففي الحرب الإيرانية الإسرائيلية برزت واشنطن كحليف قوي -كالمعتاد- وداعم عسكري لإسرائيل. ومن الطبيعي أن تبحث روسيا والصين عن دول قوية تقف ضد الحليف الأمريكي(إسرائيل) لتؤكد على أن واشنطن ضعيفة، وأن هناك دول نووية تعارض سياسات واشنطن في الشرق الأوسط. فروسيا والصين ليستا ضد باكستان، وليست لديهما نية لجر باكستان في الحرب الإيرانية الإسرائيلية، بل الهدف الأساسي من هذه المحاولة التأكيد على أن واشنطن تواجه عزلة دولية، وأن ابن الأمريكان المدلل [إسرائيل] لا يحبه أحد. لذلك وجدنا كبريات المؤسسات الإعلامية الروسية وعلى رأسها (روسيا اليوم) تنشر تصريحات مزيفة منسوبة لوزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف مفادها أن باكستان قدمت دعما استخباراتيا لطهران حول الهجوم الإسرائيلي، بينما كان المقطع الذي نشرته روسيا اليوم قديما، وقد نسب موقع روسيا اليوم هذا الفيديو إلى رئيس الوزراء الباكستاني بينما في المقطع يظهر وزير الدفاع الباكستاني، تخيل حجم فقدان المصداقية والرؤية العمياء لدى العاملين في أرقى مؤسسة إعلامية روسية. ولاشك أن هذا النوع من الصحافة نشاهدها عندما يتعمد الدول على الاستباق والاستغلال للأحداث دون ترو وتأكيد.
والتصريحات الواردة على لسان خواجا آصف في المقطع كانت ضد طهران، لأنها جاءت عقب التوتر الأمني على الحدود الإيرانية الباكستانية قبل سنوات، عندما كان خواجة يشغل منصب وزير الخارجية الباكستاني. وكذلك نشرت كبريات المؤسسات الإعلامية الصينية نفس الرواية باللغتين العربية والإنجليزية. وهذا يؤكد أن وسائل الإعلام الروسية والصينية ساهمت في نشر هذه الأخبار المزيفة.
ثالثا: إعلام الإخوان المسلمين:
عناصر الإخوان المسلمين -رغم أنهم سني العقيدة وتأسسوا ونشأوا في الدول العربية والخليجية- يميلون في طبعهم إلى طهران. والإخوان أيضا لديهم رؤية غير قابلة للتنفيذ؛ وهي توحيد الدول الإسلامية لتحقيق أهداف صغيرة لصالح جماعات مصغرة. ولذلك نجد الإعلام الإخواني يحاول جاحدا تحشير الدول الإسلامية إجباريا في صفوفهم. وفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة؛حاولت وسائل إعلام تابعة لتنظيم الإخوان الترويج لرواية الدعم العسكري والاستخباراتي الباكستاني لطهران. فأغلب الشخصيات والمؤسسات الإعلامية التي تداولت الأخبار المزيفة حول الدور الباكستاني في الحرب الإيرانية الإسرائيلية في الإعلام العربي هم إعلاميو الإخوان ومؤسسات إعلامية إخوانية. والهدف لدبهم من هذه الرواية الإعلامية توصيل رسالة لبعض الدول العربية أن باكستان تقف معنا وليست معكم.
رابعا: منصات إخبارية وهمية:
من خلال الرصد والتحليل للأخبار المزيفة المتداولة حول باكستان ودعمها لطهران؛ ثبت أن هذه الأخبار تم نشرها وتداولها عبر منصات إعلامية على مواقع التواصل الإجتماعي؛ تديرها شخصيات لا علاقة لها بما يحدث على أرض الواقع. فأغلب الحسابات الإخبارية تركز على كسب الجمهور والمتابعين، ولا يهتم بالمصداقية والأمانة المهنية للصحافة والإعلام. وقد انتشرت مؤخرا حسابات إخبارية عربية على منصة إيلون تحمل أسماء دول أجنبية توهم المتابع العربي أنها حسابات رسمية لتلك الدول مثل( الموجز الروسي، الأحداث الأمريكية، الصين بالعربية، موسكو الان و إيران بالعربية)، ومن هنا وقع المتابع العربي في فخ الأخبار المزيفة والكاذبة. والحقيقة أن هذه الحسابات ليس لها أي علاقة بهذه الدول، بل وراءها صحفيون أو نشطاء التواصل الاجتماعي يغردون من غرفتهم الضيقة كأنهم يديرون العالم.
الموقف الباكستاني:
باكستان أعلنت وقوفها إلى جانب طهران ضد الانتهاك الإسرائيلي لسيادة الأراضي الإيرانية. ولم يصدر أي بيان رسمي من أي مسؤول باكستاني على تقديم دعم عسكري أو استخباراتي لطهران. وقد أكد مصدر مسؤول في وزارة الدفاع الباكستانية لمركز إندس أن هذه الأخبار كاذبة لا أساس لها من الصحة.
أما إدانة الهجوم الإسرائيلي على إيران فهي تدخل ضمن التحركات الدبلوماسية المعروفة. فباكستان ليست هي الوحيدة التي أدانت الإعتداءات الإسرائيلية على إيران، بل هناك قائمة طويلة لتلك الدول. فلماذا الإدانة الباكستانية أخذتها وسائل الإعلام الدولية في سياق دعم عسكري واستخباراتي لطهران؟ والحقيقة أن باكستان ادانت الهجوم الإسرائيلي وطالبت الأمم المتحدة لوضع حد للإعتداءات الإسرائيلية. ولا توجد هناك أي مصادر رسمية تؤكد على قيام باكستان بتقديم الدعم العسكري أو إرسال صواريخ إلى طهران أو إسقاط مقاتلات إسرائيلية. فباكستان تحاول الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع جارتها المسلمة إيران من جهة، ومع واشنطن من جهة أخرى. كما أنه لا توجد هناك نزاعات حدودية بين إسلام آباد وتل أبيب لنقول أن إسلام آباد ستهاجم إسرائيل، أو أن إسرائيل ستهاجم إسلام آباد. الموقف الباكستاني من هذا التصعيد واضح وحازم بأن الحرب ليست حلا وأنها ليست في مصلحة أحد وأن نتائجها وخيمة. وجاء إعلان باكستان وقوفها إلى جانب طهران استنادا إلى علاقات دينية وجغرافية وتاريخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى